شهدت أوروبا الأسبوع الماضي سلسلة تحليق غير مسبوقة للطائرات المُسيّرة، شملت إغلاق مطارات رئيسية في ألمانيا والدنمارك، بما في ذلك مطار ميونيخ مرتين خلال 24 ساعة، وتحليق طائرات مسيرة فوق محطات توليد الطاقة المتجهة نحو قواعد عسكرية.
وبحسب صحيفة "صنداي تايمز"، فرغم أن بعض هذه الطائرات قد تكون مشاهدات وهمية، فإن الخبراء يرجحون أن العديد منها روسية الصنع، مصممة لأغراض جمع المعلومات الاستخبارية أو التخريب.
يُعد هذا التصعيد الأخير جزءًا من ما يُعرف بـ"الإشارات القسرية" التي تمارسها روسيا، في محاولة لإظهار نقاط ضعف البنية التحتية الأوروبية وإجبار الدول على إعادة تقييم سياساتها الأمنية.
وكما أشار خبير أمني أوكراني للصحيفة، فإن التجربة الأوكرانية باتت اليوم نموذجًا ملموسًا لدول الناتو، حيث يدرك القادة الغربيون أن ما أصاب أوكرانيا قد يحدث لهم أيضًا.
يعتمد النهج الروسي على مزيج من "تسليح الإزعاج" وعمليات تهدف إلى اختبار قدرات الدفاع الأوروبي.
تشمل هذه العمليات إغلاق المطارات، والتدخل في أنظمة الكمبيوتر، ورصد البنية التحتية الحيوية، من أجل رسم خرائط للاختراقات المحتملة.
أفادت التقارير برصد طائرات مُسيّرة فوق حوض بناء سفن ومحطات طاقة ألمانية، وقواعد جوية في النرويج والدنمارك، وقاعدة كارلسكرونا البحرية في السويد.
كما أظهرت البيانات أن 144 طائرة دون طيار تم رصدها قرب المطارات الألمانية حتى الآن في 2025، مقارنة بـ113 طائرة في عام 2024 بأكمله.
ويُقدر أن روسيا تنتج نحو 2700 طائرة هجومية مسيرة من طراز "جيران-2" شهريًّا؛ ما يزيد صعوبة الردع التقليدي، خصوصًا مع تكلفة صواريخ الاعتراض المحدودة وندرتها.
في محاولة لمواجهة هذا التهديد المتزايد، بدأت المملكة المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون التفكير في إنشاء ما يسمى بـ"جدار الطائرات المُسيّرة"، وهو حزام دفاعي متعدد الطبقات يجمع أجهزة رادار وأجهزة استشعار صوتية وأنظمة أسلحة متقدمة، من صواريخ وطائرات اعتراضية وحتى مدافع رشاشة قرب الأهداف الحساسة.
مع ذلك، يشير الخبراء إلى أن تسمية "جدار" مضللة، فهو لا يوفر حماية شاملة، ويشبه وعود "القبة الذهبية" الأمريكية؛ إذ يُتوقع أن يكون مكلفًا جدًّا ويستغرق سنوات للتنفيذ، بالإضافة إلى صعوبات التغطية الكاملة لكل المناطق الحيوية.
وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع، فإن المشروع أكثر من مجرد أداة دفاعية، بل هو رسالة سياسية تهدف إلى نفي أي حديث عن ضعف أوروبا أمام هجمات الطائرات الروسية، وإبراز استعدادها للدفاع عن نفسها، خصوصًا فيما يتعلق بدعم أوكرانيا.
هناك أيضًا خلافات بين الدول الأوروبية حول التوقيت والتكلفة؛ بينما ترى رئيسة وزراء لاتفيا أن الجدار يمكن تنفيذه خلال عام إلى عام ونصف العام، يؤكد وزير الدفاع الألماني أنه لن يكون جاهزًا قبل ثلاث إلى أربع سنوات، مع استمرار تركيز بعض الدول على أولويات أخرى، مثل: الدبابات والسفن الحربية.
رغم تعقيد التحدي، تتواصل محاولات تطوير أنظمة مضادة للطائرات المسيرة على مستوى وطني ودولي، مثل مشروع "الأخطبوط" البريطاني بالتعاون مع أوكرانيا لتصنيع طائرات اعتراضية مسيرة.
ويؤكد الخبراء أن الردع القوي هو أكثر أدوات حماية أوروبا مصداقية، سواء من خلال الردع بالعقاب أو الردع بالإنكار، حيث يتم إحباط الهجمات دون تصعيد الحرب.
كما يلعب التطوير التكنولوجي دورًا محوريًّا، مع إدخال أسلحة متقدمة مثل ليزر "دراغون فاير" البريطاني المقرر نشره في 2027، لتوفير قدر أكبر من الاعتراض الفوري للطائرات المسيرة.
وفي الوقت نفسه، يقبل الأوروبيون الإزعاج الناتج عن نشاطات روسية مفترضة، معتبرين أنه فرصة لتسليح أنفسهم وإعادة تقييم القدرات الدفاعية قبل أي صراع محتمل أوسع.
ورغم أن روسيا لا تمثل تهديدًا عسكريًّا مباشرًا حاليًّا، فإن الهجمات الإلكترونية والغارات بالطائرات المسيرة والتضليل الإعلامي والتخريب تفرض على الغرب إعادة التفكير في أساليب الدفاع والاستعداد للتحديات المستقبلية، مع التركيز على الاستثمار في إعادة التسلح الأوروبي لضمان أمن القارة وحماية المصالح الحيوية.