في وقت بدأت فيه رياح الشتاء تقترب محملة بالضباب والبرد القارس، جاءت اعترافات قيادة أوكرانيا لتكشف عن منعطف جديد في مسار الحرب.
وأعلن القائد الأعلى للجيش الأوكراني عن تدهور عسكري ومداني لقواته، الذي لم يكن مجرد توصيفٍ ميداني عابر، بل كان اعترافا صريحا بأن الجنوب الأوكراني، وتحديدًا منطقة "زابوريجيا"، بات على وشك التحول إلى أخطر بؤر القتال على الإطلاق.
وأكد أوليكساندر سيرسكي، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، أن الوضع العسكري تدهور كثيرًا في اتجاهي أوليكساندريفكا وهوليابول، فقد تقدمت القوات الروسية مستغلة تفوقها العددي في الأفراد والمعدات، وتمكنت من السيطرة على ثلاث مستوطنات بعد معارك ضارية.
وأوضح سيرسكي أن الضباب الكثيف والطقس القاسي أسهما في تسهيل تسلل الوحدات الروسية بين المواقع الأوكرانية.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن الروس شنوا أكثر من 400 ضربة مدفعية يوميًا في القطاع الجنوبي، ما أدى إلى تدمير تحصينات دفاعية رئيسية وإجبار القوات الأوكرانية على الانسحاب من مواقع حول نوفوأوسبينيفسكي وأوسبينيفكا ونوفوميكولايفكا.
وتشهد الجبهة ما يصل إلى 50 اشتباكا يوميا في ظل محاولات روسية حثيثة للتقدم نحو عمق المنطقة قبل تجمد الأرض بفعل الثلوج المرتقبة.
وتحتل روسيا حاليًا نحو 70% من إقليم "زابوريجيا"، غير أن العاصمة الإقليمية ما تزال تحت السيطرة الأوكرانية، إلا أن المخاوف تتزايد من أن السيطرة على باكروفسك قد تفتح الطريق أمام موسكو نحو فولنيانسك.
ويرى مراقبون أن الكرملين يسعى لحسم المعركة في الجنوب قبل حلول الشتاء الكامل، لفرض واقع ميداني جديد يمكن استخدامه كورقة ضغط في أي مفاوضات لاحقة.
أما كييف، فتواجه تحديات متزايدة مع نقص في أعداد الجنود واضطرارها إلى إخلاء قرى بأكملها من العائلات، كان آخرها «مالوكاتيرينيفكا» الواقعة على بعد 6 أميال من مركز الإقليم.
وفي ظل هذا التراجع الميداني والضغط المستمر، تبدو "زابوريجيا" مرشحة لأن تصبح بالفعل بؤرة القلق الكبرى على الجبهة الجنوبية، وربما النقطة التي ستحدد مستقبل الصراع بين موسكو وكييف في الأشهر المقبلة.
وأكد الخبراء أن اعتراف الجيش الأوكراني بتدهور الموقف الميداني يعكس حجم الضغوط التي يواجهها في الجنوب، حيث تتقدم القوات الروسية على أكثر من محور في "زابوريجيا" و"باكروفسك".
وأضاف الخبراء، أن موسكو تسعى لحسم المعركة قبل حلول الشتاء وقطع خطوط الإمداد الأوكرانية، فيما تبدو كييف عاجزة عن تعويض نقص الجنود، ما يجعل "زابوريجيا" مرشحة لأن تتحول إلى بؤرة القلق الكبرى في الجبهة الجنوبية.
ومن جانبه، قال محمد العروقي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوكرانية، إن الوضع على الجبهات متوتر للغاية، مع تطورات خطيرة، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت عن دخول الجيش الروسي إلى بعض مناطق باكروفسك في إقليم دونيتسك.
وأضاف العروقي، في تصريح خاصة لـ"إرم نيوز"، أن العمليات في زابوريزهيا، وفق ما أعلنه قائد الجيش الأوكراني سيرسكي، تشير إلى نجاح الجيش الروسي في السيطرة على 3 قرى رغم المواجهات الدامية هناك.
وأوضح أن الهدف من إشعال الجبهة في زابوريزهياهو قطع خطوط الإمداد اللوجستية عن الجيش الأوكراني، لا سيما في منطقة باكروفسك.
وأكد أن الجيش الروسي خطط للسيطرة على المدينة بالكامل في الأيام القليلة المقبلة، رغم استمرار المعارك العنيفة بين الجانبين، مشيرًا إلى أن موسكو سبق وأن أسقطت مدينة باخموت عبر تطويق ساليدار قبل سقوطها، في إطار استراتيجية تستهدف عزل الإمدادات وتسهيل التقدم نحو العمق الأوكراني.
ورأى الخبير في الشؤون الأوكرانية أنه لا يمكن الجزم بقدرة الجيش الروسي على تحقيق كامل أهدافه في دونيتسك، رغم سعيه للسيطرة على الإقليم منذ عام 2014، خاصة أن الجبهة مشتعلة على طول 1200 كيلومتر، مع احتمالات لتصعيد جديد في زابوريزهياوخرسون وخاركيف ودنيبروبتروفسك.
وأشار المحلل السياسي إلى أن روسيا تسابق الزمن قبل هطول الثلوج التي قد تجمد المعارك وتعوق تقدم أي من الجيشين.
من جانبه، قال د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الموقف في منطقة زابوريجيا يشهد ضغوطاً كبيرة من قبل الجيش الروسي، الذي يحرك عملياته في اتجاهين: نحو باكروفسك وزابوريزهيا.
وكشف المحلل السياسي، في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز»، أن الجانب الأوكراني يعترف بوجود صعوبات ميدانية في هاتين الجبهتين، مشيراً إلى أن موسكو تسعى للسيطرة على ما تبقى من زابوريجيا لتحويلها إلى ورقة ضغط على طاولة المفاوضات.
ولفت إلى أن الجزء الذي تسيطر عليه روسيا في زابوريجيا يضم أكبر محطة نووية لتوليد الكهرباء في أوروبا، ما يزيد من أهميته الاستراتيجية.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية أن المنطقة تمثل مصدرا للقلق في كييف، إذ تحاول روسيا تكرار سيناريو خرسون رغم الصعوبات التي تواجهها هناك بسبب عبور النهر الفاصل بين جانبي المدينة.
وأشار إلى أن انسحاب القوات الروسية المؤقت من الجانب الغربي لخرسون جاء نتيجة مشكلات في الإمدادات، بسبب المانع المائي لكنها تسعى لاستكمال السيطرة على زابورجيا.
وأكد رشوان أن موسكو كثفت تحركاتها قرب باكروفسك، بهدف إحكام قبضتها على كامل إقليم الدونباس والحفاظ على القرم.
وأضاف د. نبيل رشوان أن كييف تعاني من نقص حاد في أعداد الجنود، ما قد يدفعها إلى إعلان تعبئة عامة للشبان فوق سن 25 عاما، وأن هذا النقص أجبرها على تجنيد بعض الفتيات في الجيش وهو ما يزيد من التعقيدات على الجبهة الجنوبية.
وقال إن زابوريجيا تمثل نقطة قلق كبيرة لأوكرانيا، في ظل النجاحات الروسية المتتالية هناك، مؤكدًا أن السيطرة عليها ستكون مسألة استراتيجية حاسمة في مسار الصراع القائم.