مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
لعقود طويلة، كان مصير الحكومات في جنوب آسيا يُحدد داخل الثكنات العسكرية؛ حيث يتبادل الجنرالات الهمسات في اجتماعات منتصف الليل، والدبابات تدخل العواصم عند الفجر، بينما تعلن الإذاعات "أوامر جديدة" بدقة عسكرية.
من إسلام آباد إلى دكا، كانت الانقلابات العسكرية جزءًا مألوفًا من المشهد السياسي في جنوب آسيا، غالبًا تحت رقابة واشنطن أو موسكو في حقبة الحرب الباردة. اليوم، انتهى ذلك العصر، وحلّ محله نموذج جديد يسيطر عليه العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تعد التغييرات تُقرّر في الثكنات، بل تُبث مباشرةً على الشاشات، وتُوسم وتُضخّم عبر الخوارزميات، ليصبح الرأي العام الرقمي لاعبًا رئيسيًا في صياغة المصير السياسي.
أصبح الشباب من الطبقة المتوسطة، يتصاعد غضبهم بسرعة عبر منصات رقمية تكافئ المظاهر على الجوهر، بينما تحوّلت الجيوش، التي كانت محور المشهد سابقًا، إلى متفرج صامت، يتدخل فقط عندما يصل الزخم الشعبي إلى حد ساحق.
لم تعد القوى الأجنبية تُسلّح الجنرالات؛ بل تموّل المنظمات غير الحكومية، وتدعم النشطاء والمؤثرين، وتنشر الروايات بسرعة هائلة. هذا ما يُسمى بـ"انقلاب وسائل التواصل الاجتماعي": أنظف، أقل وضوحًا في استبداده، وأكثر ديمقراطيةً ظاهريًّا، لكنه أكثر تآكلًا من الانقلابات الفجة القديمة.
أولى الهزات في هذا النموذج الجديد كانت في سريلانكا عام 2022، مع انهيار سلالة راجاباكسا؛ حيث أدى الانهيار الاقتصادي وطوابير الوقود إلى تحرك شباب الطبقة المتوسطة، فبدأت حركة "أراجالايا"، ثم تحولت إلى ثورة جماهيرية.
وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الحدث، حيث انتشرت صور المتظاهرين في حمام السباحة الرئاسي، محوّلة الأزمة إلى "مسرحية أخلاقية" عالمية.
واكتفى الجيش بضبط النفس، ونُصّبت حكومة جديدة، لكن الدولة بقيت مفلسة؛ وأطاحت الوسوم بالسلالة الحاكمة، لكنها لم تحل أزمة الاقتصاد أو الهيكل المؤسسي الهش.
في أغسطس 2024، انطلقت موجة احتجاجات في بنغلاديش بدأت بمطالب طلابية حول حصص الخدمة المدنية، لكنها تحوّلت سريعًا إلى ثورة ضد حكم الشيخة حسينة.
ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًّا في نشر صور وحملات تسلط الضوء على وحشية الشرطة، بينما برز محمد يونس كوجه للحكومة المؤقتة مستفيدًا من سمعته الدولية.
ومع ذلك، بعد عام، تواجه الحكومة المؤقتة شللًا اقتصاديًّا وسياسيًّا: المصانع مغلقة، البطالة مرتفعة، والناتج المحلي الإجمالي عند أدنى مستوى منذ أربعة عقود، ما يوضح أن التعبئة الرقمية لم تُترجم إلى استقرار حقيقي أو إصلاح اقتصادي.
حين حظرت نيبال 26 منصة تواصل اجتماعي، انفجر غضب الشباب وانتشر وسم "#نيبو_كيدز"، ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي.
وتدخل الجيش لإعادة النظام، لكنه أصبح حارسًا للأمن وليس محرضًا للتغيير؛ وإن بروز مطالب إعادة النظام الملكي وإحياء الهوية الهندوسية يوضح أن الثورات الرقمية باتت قادرة على إعادة تشكيل المؤسسات الديمقراطية العلمانية.
في باكستان، يظل الجيش المهيمن على المشهد السياسي، لكن الاضطرابات لا تهدأ. القيود على حزب عمران خان، الاحتجاجات البلوشية، وإنشاء قوة شبه عسكرية جديدة تهدف جميعها لاحتواء التأثير الإقليمي.
ومع ذلك، الشباب المتصل رقميًّا والمتأثر بالأمثلة الإقليمية قد يختبر قريبًا حدود القمع، ما يترك الباب مفتوحًا لانتفاضات رقمية مستقبلية.
أما الهند، رغم قوتها الاقتصادية والسياسية، ليست بمنأى عن الهزات الاجتماعية. تفاوت الدخل، البطالة المرتفعة بين الشباب، وامتيازات النخبة تخلق ظروفًا مشابهة لتلك التي سببت اضطرابات لدى الجيران.
وتجعل وسائل التواصل الاجتماعي الواسعة الهند أرضًا خصبة لانتفاضات رقمية قد تتجاوز أي تجربة سابقة في المنطقة.
في جنوب آسيا، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات المعارك الجديدة، حيث يُسوّق الغضب والشعارات والوسوم كمنتج استهلاكي.
ويكسب المؤثرون المتابعين بدلاً من بناء المؤسسات، والجهات الأجنبية تستغل هذا الديناميك لتشكيل الرأي العام بتكلفة منخفضة وتأثير كبير؛ بينما يصبح الشباب عناصر فاعلة في الثورة نفسها، بينما تبقى الدولة منهكة اقتصاديًّا وضعيفة المؤسسات.
من سريلانكا إلى بنغلاديش، ومن نيبال إلى باكستان، تُظهر جنوب آسيا نموذجًا جديدًا من الانقلابات: رقميًّا، سريعًا، ومرئيًّا عالميًّا، لكنه هش داخليًّا.
كما أن الحكومات التي تتجاهل مظالم الشباب قد تواجه هزات مدفوعة بخوارزميات أكثر من الدبابات؛ فالثورة القادمة قد لا تُدار من الثكنات، بل قد تُبرمج في خوادم بعيدة، وتنتشر عبر هاشتاج رائج.