الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تشهد نيبال أزمة سياسية غير مسبوقة، تضعها في قلب موجة تغيير الأنظمة والانتفاضات الشعبية التي تعصف بجنوب آسيا، بعد سوابق في سريلانكا عام 2022 وبنغلاديش عام 2024.
هذه الاضطرابات لم تكن إلا نتيجة تراكم الإحباط الاقتصادي والاجتماعي وسوء الإدارة والفساد، بالإضافة إلى الدور الحاسم الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بين شباب “جيل زد”، في تعبئة المعارضة وإطلاق مسار التغيير.
ويشير الدبلوماسي والسفير الهندي السابق إس دي موني في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" إلى أن "الأزمة النيبالية تبرز كيف يمكن للاضطرابات الداخلية أن تتفاعل مع التنافس الجيوسياسي الإقليمي، مع دور محوري للشباب المتمرس في استخدام التكنولوجيا.
وأضاف "موني" أن التحدي الأكبر أمام الحكومة المؤقتة هو إعادة بناء المؤسسات وتحقيق انتخابات حرة ونزيهة، والتصدي للمعارضة التقليدية والملكية في الوقت نفسه".
وتصاعدت الانتفاضة الأخيرة، التي قادها جيل الشباب “Z” بقيادة سودان غورونغ من حركة “هامي نيبال”، من احتجاجات سلمية إلى أعمال عنف واسعة شملت البرلمان والمحكمة العليا والعديد من المنشآت الإعلامية الرئيسية.
وسرعان ما تدخل الجيش لتأمين النظام، وأدار مفاوضات مع ممثلي الشباب والفاعلين السياسيين، لِيَظهر توافقٌ نادرٌ على تنصيب سوشيلا كاركي رئيسة للحكومة الانتقالية بعد حل البرلمان وتحديد موعد الانتخابات التشريعية في مارس 2026.
وأكدت مصادر دبلوماسية ونشطاء لـ"إرم نيوز" أن غياب الإصلاحات الهيكلية وعودة الفساد والمحسوبية كانا السبب الأساسي لغضب "جيل زد"، مع تفاقم البطالة وهجرة آلاف الشباب يوميًّا بحثًا عن عمل خارج البلاد، خصوصًا إلى الشرق الأوسط وآسيا.
وتضاعف الاحتقان المجتمعي بعد قيام الحكومة السابقة بحظر شبكات التواصل الاجتماعي؛ ما عزاه الشباب إلى سعي السلطة لتكميم الأفواه وقمع الحريات.
من جهة أخرى، أوضح جايديب مازومدار، الخبير الهندي أن أزمة نيبال وُضعت في واجهة التنافس الإقليمي والدولي، حيث اتسع نفوذ الصين في الجنوب الآسيوي عبر دعمها لأنظمة صديقة.
وفي المقابل، تعاونت الولايات المتحدة والهند لتحجيم هذا النفوذ وتمكين الاستقرار في كاتماندو. ولاقى الحل الانتقالي ترحيبًا واسعًا من الهند وأمريكا وحتى الصين؛ ما يعكس إجماعًا دوليًّا مؤقتًا على ضرورة استعادة الاستقرار في نيبال.
وبحسب تصريحات إس دي موني، تمثل أزمة نيبال تحذيرًا للأنظمة الحاكمة في المنطقة: تجاهل الشباب وطموحاتهم والفشل في إنتاج تنمية عادلة يعرض الدول لاحتمالية انفجارات مفاجئة قد تعيد رسم معادلات السياسة بالكامل.
ويخلص إلى أنه "لا نجاح لأي مشروع انتقالي دون إعادة بناء ثقة الشباب بمؤسساتهم، ودعم الحكم الرشيد، وتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية".
وتواجه رئيسة الوزراء المؤقتة كاركي، أول امرأة في تاريخ نيبال تتقلد هذا المنصب، تحديًا هائلًا في إعادة الإعمار المؤسسي والتجهيز للانتخابات القادمة، وسط مطالبات واسعة بالقضاء على الفساد وفتح المجال أمام جيل جديد من القادة السياسيين.
وفي ظل هذا المشهد، أشار "مازومدار" إلى أن الدور الهندي يبرز في تعزيز الاستقرار عبر دعم المؤسسات، وتقديم نموذج من الدبلوماسية الهادئة، والابتعاد عن سياسات "الأخ الأكبر" التي أضرت بصورة نيودلهي سابقًا.
ولفت "مازومدار" إلى أن نجاح الهند في تقوية مؤسسات نيبال واستعادة ثقة شبابها قد يمنع تغلغل القوى الخارجية ويعزز فرص التحول الديمقراطي الحقيقي في البلد الجبلي الصغير.
وهكذا تبقى نيبال اليوم أمام مفترق طرق؛ بين استعادة الاستقرار عبر حكومة انتقالية تلبّي مطالب الشباب، أو العودة إلى دوامة الاضطراب التي تهدد الدولة والمنطقة بمزيد من التشظي والفوضى.