الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تشهد جنوب آسيا تصاعدا في موجة من الانتفاضات الشعبية، التي يقول محللون إنها لم تعد مجرد ردود فعل محلية، بل أصبحت مسرحا لتأثيرات خارجية معقدة.
وتشير التطورات الأخيرة في نيبال إلى تشابه مثير مع الانقلاب الذي شهدته بنغلاديش عام 2024، حيث استُغلت حركة الاحتجاجات ضد الفساد والإصلاحات من قبل جهات غير معلنة، بحسب تقارير، لإعادة رسم المشهد السياسي.
ويرى خبراء أن الإسلاميين والانتهازيين وحتى بعض الجماعات الدولية المتحالفة استثمروا هذه الاحتجاجات، مستخدمين مرتزقتهم المحليين ومنظماتهم غير الحكومية ووسائل الإعلام، لتقويض الاستقرار الداخلي للدول وزعزعة النفوذ الإقليمي للهند، التي تلعب دورا محوريا في المنطقة، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
ولطالما واجهت بنغلاديش تحديات تهدد استقرارها منذ استقلالها عام 1971، بدءا باغتيال مؤسس الدولة الشيخ مجيب الرحمن عام 1975، الذي مهد الطريق لسيطرة المجالس العسكرية على السلطة واستقطاب العناصر الإسلامية؛ ما أضعف الهوية العلمانية للبلاد.
وتفاقمت الفوضى في 5 أغسطس/آب 2024، حين أطاح انقلاب جهادي مدعوم من بعض الفاعلين السياسيين في واشنطن وحلفائهم الإسلاميين بحكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة.
وأسفر الانقلاب عن مئات القتلى من المدنيين وعناصر الأمن، وعمليات ابتزاز وإعدام خارج القانون، وهجمات على الأقليات الهندوسية، بينما أعادت المنظمات الجهادية الظهور بعد أن كانت محكومة سابقا.
كما أن حكم النظام المؤقت بقيادة محمد يونس بلا شرعية دستورية؛ ما أغرق البلاد في فوضى دينية وإيديولوجية، وعرقل إمكانية إجراء انتخابات جديدة، تاركا نسيج المجتمع في حالة من عدم اليقين والعنف المستمر.
في سبتمبر 2025، شهدت نيبال اضطرابات شعبية شبيهة بالسيناريو البنغلاديشي، حيث استغلت قوى خارجية إحباط الشباب من الفساد والبطالة؛ ما أدى إلى اندلاع ثورة عنيفة في 10 سبتمبر/أيلول.
واقتحم المتظاهرون البرلمان، وأحرقوا المحكمة العليا، واستهدفوا مساكن خمسة رؤساء وزراء سابقين، في مشهد هدد بانهيار الدولة.
لكن التدخل الحاسم للجنرال أشوك راج سيجديل، قائد الجيش النيبالي، كان الفارق؛ فقد انتشرت دوريات الجيش في شوارع كاتماندو لحماية البنية التحتية الحيوية، وأُنشئ حوار مباشر مع زعماء الاحتجاج؛ ما ساهم في احتواء الموقف.
وتمكّن قادة "جيل Z" من النشطاء، الذين طالبوا بالإصلاح قبل أن تُختطف حركتهم من الانتهازيين، من التفاوض على خطوات عملية لتلبية مطالبهم.
ونجحت نيبال بهذا الأسلوب في تفادي الانهيار، بعكس بنغلاديش التي تُركت تحت رحمة الفوضى والجهاديين؛ ما يعكس أهمية القيادة الحازمة واحتواء القوى المؤثرة داخليا وخارجيا لضمان استقرار الدولة.
واجهت نيبال تاريخيا، تمردا ماويا بين 1996 و2006، أسفر عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص وانهيار النظام الملكي.
وعلى الرغم من الدعم الخارجي الذي تلقاه التمرد، انتهى الأمر بعملية سلام سلمية أعادت الاستقرار نسبيا إلى البلاد.
لكن اضطرابات سبتمبر 2025 شكّلت تهديدا جديدا، مع بوادر فوضى جهادية مشابهة لتجربة بنغلاديش؛ إذ شهدت العاصمة اقتحام البرلمان، إحراق المحكمة العليا واستهداف مساكن كبار المسؤولين؛ ما هدد سيادة الدولة بشكل غير مسبوق.
ووسط هذه الأزمة، تم اختيار سوشيلا كاركي، رئيسة القضاة السابقة، كرئيسة وزراء مؤقتة، بدعم الجيش والمتظاهرين على حد سواء.
وأكدت كاركي تقديرها لدور الهند ورئيس وزرائها ناريندرا مودي، مشددة على أن قيادتها ستركز على استقرار نيبال، بالتعاون مع التكنوقراطي كول مان غيسينغ، الذي أسهم بفعالية في حل أزمة الطاقة المزمنة.
تكتسب التطورات في نيبال أهمية خاصة للأمن الهندي، نظرا للحدود المفتوحة التي تمتد بطول 1770 كيلومترا بين البلدين.
وأي زعزعة للاستقرار في كاتماندو قد تُترجم إلى تهديد مباشر للأمن الداخلي للهند، كما أن الاقتصاد النيبالي يعتمد بشكل كبير على واردات الوقود والغذاء والسلع المصنعة من الجارة الجنوبية، حيث يتجاوز حجم التجارة الثنائية 8.5 مليار دولار سنويا.
علاوة على ذلك، تعمّق الروابط الدينية والثقافية العلاقة بين البلدين؛ ما يجعل الحفاظ على استقرار نيبال قضية استراتيجية متشابكة بين السياسة والأمن والاقتصاد.
وفي المقابل، تبرز بنغلاديش تحذيرا صارخا لما قد يحدث إذا نجحت الثورات المدبّرة من الخارج في قلب نظام الدولة. بعد الإطاحة بالشيخة حسينة، غرقت البلاد في فوضى شاملة، فيما أسهم النظام غير الشرعي بقيادة محمد يونس في تمكين الجماعات الجهادية وأحزاب التطرف.
وأصبحت الانتخابات بعيدة المنال، بينما يسعى حلفاء يونس إلى تحويل بنغلاديش إلى نموذج أفغاني آخر، مستسلمين عمليا لتأثير القوى الأجنبية التي اختطفت مصير البلاد.
إن أحداث نيبال وبنغلاديش ليست مجرد اضطرابات محلية، بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى زعزعة استقرار جنوب آسيا، تقويض النفوذ الهندي، وتمكين الشبكات الإسلامية والعالمية.
كما أظهرت نيبال قدرة الجيش والإدارة الموحدة على صد المؤامرات، وحماية الدولة من الانهيار، بينما تمثل تجربة بنغلاديش تحذيرا صارخا عن المخاطر التي تهدد أي دولة تتخلى عن سيادتها أو تستسلم لتأثير القوى الخارجية.