رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن أوروبا تقف اليوم على مفترق طرق استراتيجي بعد ظهور مؤشرات أولية على احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن الحرب في أوكرانيا، ما يفتح الباب أمام تحولات كبرى في مواقف الاتحاد الأوروبي، سواء في ما يتعلق بأمنه الجماعي أو بمستقبل علاقته مع روسيا والولايات المتحدة.
وبحسب الخبراء، فإن المرحلة الجديدة تفرض على أوروبا إعادة بناء سياساتها الدفاعية والاقتصادية، والبحث عن توازن دقيق بين الحفاظ على وحدة الصف الأوروبي من جهة، والاستجابة للضغوط الداخلية والتحديات الإقليمية من جهة أخرى.
كما تلوح في الأفق ثلاثة سيناريوهات رئيسية ترسم المسار الأوروبي المحتمل في الفترة المقبلة، تتراوح بين استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، وتعزيز التعاون الدفاعي داخل الاتحاد، وصولاً إلى التصدي للحرب السيبرانية الروسية.
إعادة بناء القوة العسكرية الأوروبية
من جانبها، قالت آن دي تينج، أستاذة العلوم السياسية والتاريخ، متخصصة في العلاقات الدولية الروسية-الأوكرانية، لـ"إرم نيوز"، إن الحرب الروسية الأوكرانية قد تكون دافعًا لأوروبا لتعزيز قدراتها العسكرية بشكل مستقل عن حلف الناتو.
وفقًا للمحللة السياسية الفرنسية، فإن الاتحاد الأوروبي قد بدأ في تطوير استراتيجيات دفاعية جديدة، بما في ذلك استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل تسليح أوكرانيا، معتبرة أن هذا التحول يعكس رغبة أوروبا في تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة وتعزيز سيادتها الدفاعية.
الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي
وقالت تينج: "على الرغم من التوجه نحو تعزيز القوة العسكرية، إلا أن هناك انقسامات داخلية بين دول الاتحاد بشأن كيفية التعامل مع الحرب الأوكرانية".
وأشارت إلى أن بعض الدول، مثل المجر، تعارض التصعيد وتفضل الحلول الدبلوماسية، بينما تدعو دول أخرى إلى مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا.
السيناريوهات المستقبلية
أما عن السيناريوهات المستقبلية فقد لفتت الباحثة السياسية الفرنسية إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات: أولها الاستمرار في الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، فمن المتوقع أن تواصل أوروبا تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، مع التركيز على تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
والسيناريو الثاني، وفقًا للباحثة الفرنسية، هو التعاون الدفاعي بين دول الاتحاد الأوروبي، فقد تشهد الفترة المقبلة تعزيزًا للتعاون الدفاعي بين دول الاتحاد الأوروبي، خاصة بين فرنسا وبولندا، بهدف تعزيز الاستقلالية العسكرية وتقوية الروابط الإقليمية.
والسيناريو الثالث هو التصدي للهجمات السيبرانية الروسية، إذ إنه من المتوقع أن تواصل فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي تعزيز قدراتها في مواجهة الهجمات السيبرانية الروسية، مع التركيز على حماية البنية التحتية الحيوية والانتخابات الوطنية، وفقًا للباحثة الفرنسية.
بدوره، أشار الدكتور برونو تيرتراي نائب مدير مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية، متخصص في الشؤون الجيوسياسية، لـ"إرم نيوز"، إلى أهمية مشاركة أوروبا في أي مفاوضات تتعلق بالسلام في أوكرانيا، مؤكدًا أن غيابها قد يؤدي إلى نتائج غير متوازنة.
ولفت إلى أن هذه الانقسامات قد تؤثر على وحدة الموقف الأوروبي في المستقبل.
التحديات الاقتصادية والضغوط الداخلية
ومن الناحية الاقتصادية، رأى تيرتراي أن أوروبا تواجه تحديات كبيرة نتيجة للحرب، بما في ذلك ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي، فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تشير إلى أن الحرب قد تكلف أوروبا نقطة إلى نقطة ونصف من النمو، مع استمرار التضخم المرتفع.
هذه التحديات قد تؤدي إلى ضغوط داخلية على الحكومات الأوروبية، مما يستدعي استراتيجيات اقتصادية مرنة للتعامل مع الأزمة.
التوجهات المستقبلية
وتوقع تيرتراي أن تسعى أوروبا في المرحلة المقبلة إلى تعزيز تعاونها الدفاعي من خلال إنشاء جيش مشترك وتحسين قدراتها العسكرية. ومع ذلك، ستظل الانقسامات الداخلية والضغوط الاقتصادية تحديات رئيسية أمام تحقيق هذه الأهداف.