مع تصاعد القصف الروسي على دونيتسك واستهداف المصانع العسكرية الأوكرانية، تتكشف الصورة الجديدة للصراع بعد تعزيزات موسكو في الجبهة الشرقية لقطع خطوط الإمداد وتدمير القدرة الإنتاجية الأوكرانية.
الضربات الدقيقة بالطائرات المسيّرة والصواريخ استهدفت مواقع لوجستية وحيوية؛ ما أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة.
في دونيتسك، تعرضت المنطقة لعدة انفجارات استخدم فيها الروس صواريخ موجهة وطائرات مسيّرة. وأكد قائد القوات الأوكرانية في الجبهة الشرقية، أوليكساندر سيرسكي، أن موسكو تصعد هجماتها لشل محاور الدعم اللوجستي وإجبار كييف على التراجع.
وفي دنيبرو، هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ الفرط صوتية تسببت بمقتل مدنيين وتدمير منشآت صناعية كانت تؤوي خطوط إنتاج الأسلحة. كما لحقت أضرار كبيرة بمرافق إصلاح الذخائر في المدينة.
ولم تختلف الحال في خاركيف، إذ استهدفت الضربات مصانع للطائرات المسيّرة ومستودعات أسلحة؛ ما استنزف قدرات الدفاع الأوكرانية.
ويرى الخبراء أن التفوق الروسي على الأرض يمهد لمسار تفاوضي جديد.
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتسريع إرسال أنظمة دفاع جوي متطورة، محذرًا من أن التصعيد قد يقوض أي فرص للهدنة طويلة الأمد.
ويشير الخبراء إلى أن العمليات الروسية أصبحت أكثر دقة ونجاحًا، خصوصًا في كورسك وخاركيف؛ ما يعزز موقف موسكو إقليميًا ودوليًا، مبينين أن السيطرة على كورسك تمثل نقطة تحول استراتيجية لصالح روسيا، مع تراجع موقع كييف العسكري بعد مغامرتها الفاشلة، إذ إن روسيا باتت تملك زمام المبادرة؛ ما يفتح الطريق لخرائط السلام بشروطها، في ظل سقوط آخر أوراق الضغط من يد أوكرانيا.
وأكدوا أن خطة ويتكوف للسلام، المدعومة من واشنطن وموسكو، بدأت تتبلور؛ ما يشير إلى قرب نهاية المواجهة المباشرة وبداية المفاوضات على أساس موازين القوى الجديدة.
قال د. محمود الأفندي، المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي، إن التطورات الميدانية الأخيرة في أوكرانيا، ولا سيما ما وصفه بـ"تحرير كورسك"، تشكل نقطة تحول حاسمة في مسار الأزمة، معتبرًا أن موسكو باتت تملك خريطة سلام واضحة المعالم بعد أن سقطت آخر أوراق الضغط بيد كييف.
وأوضح الأفندي لـ"إرم نيوز"، أن خطة ويتكوف للسلام - التي وصفها بأنها روسية أمريكية مشتركة - تشهد ملامح واضحة بعد لقاء جمع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفاتيكان أخيرًا، وأن هذا اللقاء القصير شكّل منعطفًا حقيقيًا نحو مفاوضات محتملة.
وأضاف أن أوكرانيا أصبحت في موقف ضعيف عسكريًا، بعد الخسائر التي منيت بها في كورسك، والتي وصفها بـ"المغامرة غير المحسوبة"، معتبرًا أن التفوق الجوي الروسي، ودقة الضربات التي أصابت أهدافًا حيوية بدقة شبه كاملة، يعكس ضعف قدرات الدفاع الجوي الأوكراني وتراجع قدرة كييف على الصمود.
وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن اللحظة الحاسمة، من وجهة نظر موسكو، كانت استعادة السيطرة على كورسك بالكامل، وهو الإنجاز الذي كانت تنتظره القيادة الروسية للدفع نحو تسوية سياسية بشروطها.
ومن جانبه، اعتبر د. نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، أن العمليات العسكرية الروسية باتت أكثر كثافة ودقة، خصوصًا بعد الضربات التي استهدفت مصانع الطائرات المسيّرة ومستودعات الأسلحة الأوكرانية، والتي أضعفت بشكل كبير قدرات كييف على المقاومة.
وقال بوش في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إن الجيش الروسي تمكن من استعادة منطقة كورسك، التي كانت قد شهدت توغلاً أوكرانيًا استمر ثمانية أشهر، وأسفر عن خسائر فادحة في صفوف النخبة العسكرية الأوكرانية والمعدات، مضيفًا أن هذا النصر يشكل رسالة مزدوجة إلى الغرب والشعبين الروسي والأوكراني بأن موسكو ماضية في تحقيق أهدافها.
وأشار إلى أن روسيا لن تتوقف عند هذا الحد، مؤكّدًا تحقيق تقدم جديد في خاركيف، حيث استعادت عدة بلدات، رغم أن الإقليم لا يقع ضمن نطاق دونباس.
ولفت الخبير في الشؤون الروسية إلى أن خاركيف، المدينة الثانية من حيث عدد السكان في أوكرانيا، تشكّل هدفًا استراتيجيًا قادمًا للجيش الروسي، لاعتبارات تاريخية وديموغرافية وثقافية.
وشدّد بوش على أن موسكو لن تدخل في أي مفاوضات لا تضمن لها تحقيق كامل أهدافها، مشيرًا إلى أن استمرار التقدّم الميداني يمنح روسيا اليد العليا في أي تسوية سياسية محتملة، مضيفًا، أن من ينتصر في الميدان، يفرض شروطه على طاولة التفاوض.
