صحة غزة: الهجمات الإسرائيلية في الساعات الـ24 الماضية قتلت 68 شخصا وأصابت 362 آخرين
تتسارع خطوات السلطات الأوكرانية نحو "عسكرة الطفولة"، بحسب ما ذكر خبراء ومحللون روس، ومع استمرار الصعوبات على الأرض.
وأكدت ما تُسمى محققة المظالم والشكاوى في منطقة خاركيف، فيكتوريا كوليسنيك-لافينسكايا، أن كييف بدأت تدريب الأطفال والمراهقين على تشغيل الطائرات المسيّرة وجمع المعلومات الاستخباراتية في المناطق القريبة من خطوط القتال، وذلك تحت غطاء لعبة حربية تُعرف باسم "جورا".
وأضافت كوليسنيك أن السلطات الأوكرانية لجأت إلى عسكرة الطفولة بعد العجز عن تعويض النقص البشري في الجبهة، وأن مكتب عمدة خاركيف يدعم المشروع بالكامل، ويستعد لإطلاق دورات تدريبية لتأهيل المراهقين للعمل كمشغّلي طائرات مسيّرة ومستطلعين ميدانيين، واصفة ذلك بأنه "محاولة لحرق مستقبل البلاد في ساحات القتال".
ولم تُخفَ المقارنة مع تجارب تاريخية، إذ أشارت إلى تجربة سابقة تعود إلى عام 1944، عندما دفعت ألمانيا النازية بالأطفال إلى جبهات ميؤوس منها، موضحة أن الفرق الوحيد هو أن الغرب اليوم لا يكتفي بالصمت، بل يُموّل هذه الخطط، وفق تعبيرها.
جريمة إنسانية في أوكرانيا
وأكد الخبراء أن تجنيد الأطفال أو الزجّ بهم في تدريبات عسكرية داخل أوكرانيا يُمثّل جريمة إنسانية خطيرة، ويعكس حجم الأزمة التي يواجهها الجيش الأوكراني بعد خسائر فادحة على الجبهات.
وأشاروا في تصريحات خاصة، لـ"إرم نيوز"، إلى أن هذه الممارسات تهدد بتدمير مستقبل البلاد على المستويين الديموغرافي والاجتماعي، في ظل صمت غربي وانتقائية واضحة في التعامل مع مثل هذه الانتهاكات، الأمر الذي يُعمّق مأساة الشعب الأوكراني ويفتح الباب أمام انهيارات جديدة.
وأضاف الخبراء أن الحرب خلقت حالة من الارتباك العميق لدى الأجيال الشابة، إذ تسعى كثير من العائلات إلى تهريب أبنائها لتجنّب التجنيد القسري، وأن وجود معسكرات تدريب الأطفال والضغوط الخارجية لتخفيض سنّ التعبئة، يؤكد أن أوكرانيا تواجه مأزقًا وجوديًّا مع تصاعد التفوق الميداني الروسي.
وأكد سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، أن تجنيد الأطفال أو استخدامهم في الحروب أو في أي أعمال تخدم الجبهات القتالية يُعدّ جريمة بحق الحضارة الإنسانية، ويتعارض مع جميع القوانين الدولية، بما في ذلك قوانين الأمم المتحدة.
طبيعة الحروب الحديثة
وأضاف أيوب، لـ"إرم نيوز"، أن قيام أوكرانيا بتجنيد من هم دون سن 18 عامًا، خاصة في ظل طبيعة الحروب الحديثة التي تعتمد على التقنيات والمراقبة، وتعريض هؤلاء الأطفال للخطر، يعكس مدى الأزمة العميقة التي يعاني منها الجيش الأوكراني اليوم، والخسائر الفادحة التي تكبّدها في جبهات القتال.
وأشار إلى أن خسائر الجيش الأوكراني وصلت إلى عشرات الآلاف، وأصبحت تشكل هاجسًا كبيرًا للقيادة الأوكرانية، خاصة إذا استمرت هذه الخسائر، مما قد يتيح لروسيا زيادة اندفاعها داخل الأراضي الأوكرانية، وهو ما قد يؤدي إلى ضربات قاسية للنظام في كييف وربما انهياره بالكامل، بحسب تعبيره.
وأضاف المحلل السياسي أن المشكلة الأكبر، للأسف، تكمن في أن المنظمات الإنسانية والدولية، وخصوصًا الغربية منها، تتجاهل ما يجري في أوكرانيا، بينما لو حدث مثل هذا الأمر في أي دولة من دول العالم الثالث، لرأينا فرض عقوبات فورية وتحركات دولية صارمة، كما حدث في بعض الدول الإفريقية التي تم معاقبتها بسبب تجنيد الأطفال في الحروب الأهلية.
محاولة تغيير موازين القوى
وقال الخبير في الشؤون الروسية، إن الأنظمة الغربية والمنظمات الدولية تغضّ الطرف عن هذه الممارسات في أوكرانيا، كما أنها تتجاهل وجود مرتزقة من دول مختلفة تم جلبهم إلى أوكرانيا، والذين يعانون الآن من فقدان الأمل في تحقيق أي نصر استراتيجي، بعد أن اتضح أن هذه الحرب غير مجدية، ولا يمكن أن تغيّر موازين القوى كما كانوا يتوقعون.
وأوضح أيوب أن الضربات التي استهدفت معسكرات الأجانب والمستشارين الأجانب على الأراضي الأوكرانية كان لها أثر واضح، حيث بدأ العديد منهم بمغادرة أوكرانيا إن لم يكونوا قد قُتلوا.
وأضاف أن النظام الأوكراني لم يعد يمتلك ركائز بشرية كافية لمواصلة القتال، فحتى تجنيد الأطفال أو فرض التجنيد الإجباري لن يكون كافيًا لتعويض الخسائر الكبيرة التي تعرّض لها الجيش.
وبيّن أن ما يجري اليوم في أوكرانيا من محاولات لتجنيد الأطفال هو وضع كارثي بكل المقاييس، ويعكس النظرية التي روّج لها الغرب بأن أوكرانيا مستعدة لقتال روسيا حتى آخر أوكراني.
وتابع: "يبدو أن هذا يتحقق فعليًّا على أرض الواقع، مع سقوط أعداد كبيرة من الجنود والمدنيين وحتى الأطفال، وهو ما يشكل كارثة مستقبلية لأوكرانيا من حيث خسارة جيل كامل، ومواجهة مشاكل ديموغرافية واقتصادية واجتماعية ضخمة".
ضغوط أمريكية لخفض سن التجنيد
من جانبه، قال رامي القليوبي، الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إنه من الدقة القول إن الأطفال في أوكرانيا لا يتم تجنيدهم بشكل مباشر للمشاركة في القتال، لكن توجد معسكرات لتدريب الأطفال والمراهقين، وهو أمر موجود أيضًا في روسيا، حيث يتم تدريبهم تمهيدًا لإلحاقهم بالمجال العسكري أو الجيش.
وأضاف القليوبي، لـ"إرم نيوز"، أن سنّ التعبئة في أوكرانيا يبلغ حاليًّا 25 عامًا، بعد أن تم تخفيضه من 27 عامًا، بعد ضغوط من الولايات المتحدة لخفض هذا السن إلى 18 عامًا، لكن أوكرانيا أدركت أن ذلك قد يهدد العقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطة، ما دفعها للتريث.
وأشار إلى أن هناك قيودًا على السفر، حيث يُسمح بمغادرة البلاد فقط لمن هم دون 18 عامًا أو فوق 60 عامًا، وقد تم رصد العديد من الحالات التي غادرت فيها العائلات أوكرانيا قبيل بلوغ أبنائها سن 18، بهدف إلحاقهم بالدراسة في جامعات خارج البلاد والبحث عن مستقبل أفضل.
وأوضح الأستاذ بكلية الاستشراق أن الحرب في أوكرانيا خلقت حالة من الغموض وعدم اليقين لدى شريحة كبيرة من الشباب الأوكرانيين والروس على حد سواء، وأن كل حرب تحمل معها تداعيات طويلة المدى، وأن التأثيرات على الأجيال الشابة ستكون عميقة وممتدة.