رجح خبراء في الشؤون الإيرانية والعلاقات الدولية أن يكون انفجار "بندر عباس" في جنوب إيران، السبت الماضي، بمثابة رسالة استعجال من واشنطن إلى طهران، مغلفة بمنطق "الحديد والنار"، لتسريع وتيرة المباحثات الجارية بين الجانبين وإزالة أي عراقيل تعطل التفاوض.
وأوضح الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الرسالة الواضحة لطهران من حادث "بندر عباس" هي أنه في حال عدم التماشي مع الشروط والوقت المحدد، ستسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بشن ضربات قوية، ولن تقف واشنطن مكتوفة الأيدي، خاصة أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قدمت لإيران المهلة والفرصة، لكنها لم تستغلها كما ينبغي، وفق قولهم.
وأشاروا إلى أن الجولة القادمة "الرابعة" قد تشهد صدامات حول نقاط معقدة، وقف عليها الخبراء الفنيون والتقنيون خلال الجولة الثالثة في مسقط، ثم نقلوها إلى واشنطن وطهران.
ويأتي ذلك وسط ترجيحات بأن الانفجار في ميناء الشهيد رجائي بمدينة بندر عباس نجم عن إطلاق "صاروخ" استهدف شحنة "وقود صلب" شديدة الانفجار قادمة من الصين.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية في بيروت، الدكتور خالد العزي، أن هناك إشارات ورسائل عدة انعكست على سير المفاوضات، أبرزها انفجار "بندر عباس"، إلى جانب إعلان ترامب عدم منع إسرائيل من توجيه ضربة لإيران؛ ما يعكس استعجال واشنطن لإتمام الاتفاق.
وبيّن العزي، في تصريحاته لـ"إرم نيوز"، أن واشنطن لا تستهدف تفكيك البرنامج النووي الإيراني عبر الاعتماد على الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقاريرها فقط، بل عبر فتح المنشآت الإيرانية أمام الخبراء الأمريكيين، في ظل خيارات محدودة أمام طهران، مع تهديد أمريكي صريح بالتفكيك بالقوة، ما أجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، وسط إرسال مدمرات وطائرات أمريكية إلى المنطقة.
وأضاف العزي أن المفاوض الإيراني عباس عراقجي، الذي يقود وفد طهران وهو ذاته المفاوض الأساسي في الاتفاق النووي السابق قبل 10 سنوات، يدرك أن إيران غير قادرة على تلبية المطالب الأمريكية سريعًا. لذلك تعمل طهران على السعي لاتفاق مؤقت، يتيح لها الحصول على محفزات أمريكية، مثل الإفراج عن أموالها المجمدة، والسماح ببيع النفط، ورفع بعض العقوبات، مقابل تقديم تنازلات محدودة.
وأشار العزي إلى أن هذه المناورة الإيرانية تهدف إلى كسب الوقت، بانتظار تغير الأوضاع السياسية الأمريكية أو الدولية مستقبلاً، بما يسمح لطهران بالانقلاب على الاتفاق لاحقًا.
وحول انفجار بندر عباس، قال العزي إنه ربما يشكل رسالة استعجال أمريكية لطهران "بلغة الحديد والنار"، مشبهًا ما حدث بحادث مرفأ بيروت الذي شهد استهداف حاوية تحمل مواد متفجرة. وأضاف أن ذلك قد يدفع إيران لتقديم تنازلات جوهرية في المباحثات المقبلة.
كما لفت العزي إلى أن واشنطن لا ترغب في ضرب إيران عسكريًا، لكنها مصممة على فرض شروطها دون إطالة زمن التفاوض، مع معاقبة أي أطراف داخلية إيرانية قد تعرقل المباحثات.
من جهته، يرى المختص في الشأن الإيراني، أصلان الحوري، أن "الشيطان يكمن في التفاصيل" هو العنوان الأبرز للمرحلة الحالية من المفاوضات، حيث تتحكم التفاصيل الفنية والتقنية الدقيقة بمصير المحادثات، سواء باتجاه إنجاز اتفاق أو الذهاب إلى صدام.
وأوضح الحوري لـ"إرم نيوز"، أن اللقاءات السابقة لم تغص في التفاصيل المعقدة المتعلقة بالمفاعلات النووية والتخصيب والبرنامج الصاروخي الإيراني، بينما شهد اجتماع السبت الماضي تبادل أوراق بين الفرق الفنية حول هذه القضايا.
ورجح الحوري أن تشهد الجولة القادمة، إن عُقدت ولم تؤجل، صدامات حول بعض النقاط الفنية المعقدة التي ناقشها الخبراء في الجولة الثالثة، مع عودة الردود المتبادلة إلى صناع القرار في البلدين، تمهيدًا لاستكمال المباحثات عبر الوفود الفنية.
وأكد الحوري أن من أهم مطالب واشنطن في هذه المرحلة الحصول على قاعدة البيانات الكاملة المتعلقة بالبرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين.
وفي المقابل، تسعى طهران لإبرام اتفاق "مؤقت"، مستغلةً التجربة السابقة مع ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي، لتبرير تحفظها عن تقديم التزامات طويلة الأجل.
وأشار الحوري إلى أن إيران تريد بهذا النهج تجاوز هذه المرحلة الصعبة، والانحناء أمام العاصفة إلى حين انتهاء ولاية الرئيس الجمهوري الحالي، معتبرة برنامجها النووي بمثابة "استثمار استراتيجي" لا يمكن التفريط فيه بسهولة.