تتزايد حدة المواجهات التي يخوضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مختلف الجبهات، لتطال واحدة من أهم ركائز النظام الأمريكي، وهي السلطة القضائية، بعد أن زج بها في معاركه ضمن محاولاته المستمرة لتسييسها من خلال تعيين قضاة محسوبين على التيار اليميني أو من الموالين للحزب الجمهوري، ما أدخل القضاء في أزمة خطيرة تتعلق بتقييد حرية الصحافة ووسائل الإعلام.
وقال خبراء في تصريحات لموقع "إرم نيوز"، إن ترامب يكنّ عداء شديدًا للصحافة، ويعتقد أنها تعمل ضده، في استمرار لعداء متبادل يعود إلى ولايته الأولى، في وقت يشهد فيه القضاء الأمريكي تسييسًا كبيرًا، بين قضاة يميلون لترامب وآخرين يعارضونه، وسط عمليات تكييف قانوني متبادل، تعكس حالة الاستقطاب الحاد التي أشاعها الرئيس الجمهوري في الداخل الأمريكي.
وكانت محكمة استئناف أمريكية قد أوقفت مؤخرًا حكمًا أصدرته محكمة أدنى درجة، يقضي بالسماح لصحفيي وكالة "أسوشيتد برس" بالدخول إلى البيت الأبيض. وقد ألغى حكم الاستئناف القرار السابق، الذي صدر في أبريل/ نيسان الماضي، وألزم إدارة ترامب بالسماح للصحفيين بحضور الفعاليات الرسمية، ودخول المكتب البيضاوي وطائرة الرئاسة، إلى حين البت في الدعوى المقدّمة من الوكالة.
ووصف ترامب قرار المحكمة، عبر منصة "تروث سوشيال"، بأنه "نصر كبير" على وكالة "أسوشيتد برس".
وكانت الوكالة رفعت دعوى قضائية في فبراير/شباط الماضي، بعد أن فرض البيت الأبيض قيودًا على تغطيتها بسبب استمرارها في استخدام مصطلح "خليج المكسيك"، رغم إصرار ترامب على تسميته "خليج أمريكا". واعتبرت الوكالة أن هذه السياسة تنتهك التعديل الأول من الدستور الأمريكي، الذي يحمي حرية التعبير.
وقال الخبير في الشأن الأمريكي أحمد سعيد لـ"إرم نيوز"، إن صدور حكم ضد وسيلة إعلامية من القضاء الأمريكي لا يُعد تواطؤًا، نظرًا لوجود درجات تقاضٍ مختلفة، ولكل منها حيثياتها، سواء من المدعي أم المستأنف. وأوضح أن فريق ترامب استند في استئنافه إلى ادعاء "حماية الأمن القومي"، بعكس ما اعتمد عليه الحكم السابق لصالح "أسوشيتد برس".
وأضاف سعيد أن صدور أحكام متضاربة في نفس القضية أمر طبيعي في النظام القضائي الأمريكي، ويعتمد على النصوص القانونية والإجراءات التي ترتكز عليها الدعوى، سواء كان الطرف فيها ترامب أم خصومه.
وأشار إلى أن شخصية ترامب وتصريحاته وقراراته تمثل مادة إعلامية دسمة، خصوصًا في الإعلام الأمريكي، الذي يميل جزء كبير منه إلى الحزب الديمقراطي، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تغطية نقدية مكثفة للجمهوريين.
وأوضح أن رؤساء جمهوريين سابقين تعرّضوا لحملات إعلامية مشابهة، لكنهم لم يدخلوا في صدامات مباشرة مع الإعلام، خلافًا لترامب الذي يرى في الإعلام "عدوًا شخصيًا" له.
ومن جهته، رأى الباحث في الشؤون الأمريكية نبيل واصف أن القضاء الأمريكي أصبح مسيّسًا بشكل واضح، مؤكّدًا أن ترامب دخل في مواجهات مباشرة مع عدد من القضاة، الذين يعملون على تكييف القوانين لتعطيل قراراته، خاصة في ملفات حساسة كالهجرة والإعلام. وأضاف أن هناك أيضًا قضاة موالين له، يضعون قراراته في قوالب قانونية تؤدي إلى تمريرها.
وأوضح واصف لـ"إرم نيوز" أن عمليات التعيين القضائي التي قام بها ترامب، والتي شملت مناصب قضائية عليا، جاءت بأشخاص يتبنون أفكاره، ما عمّق حالة الانقسام داخل المؤسسة القضائية، التي لم تشهد هذا القدر من التسييس في الفترات السابقة.
وأشار إلى أن ترامب يعمل على بناء "منظومة إعلامية موالية" تتبع خطه السياسي بشكل مباشر، وهو ما تجلّى في قراراته الأخيرة التي تضيق الخناق على الصحفيين، ومنها تقييد تصاريح التغطية في البيت الأبيض، ووزارة الدفاع، ومؤسسات فيدرالية أخرى، بالإضافة إلى منع المتحدثين الرسميين من التواصل مع وسائل الإعلام.
وختم واصف بالإشارة إلى أن ترامب قدّم مؤخرًا طلبًا إلى الكونغرس لإلغاء أكثر من مليار دولار من المخصصات الحكومية، الموجهة إلى مؤسسة البث العام وهيئة الإذاعة الوطنية العامة، في خطوة تهدف إلى تقليص نفوذ الإعلام الحكومي، الذي يلعب دورًا مؤثرًا، خصوصًا في الولايات الحدودية، حيث يخوض ترامب معركة سياسية وإعلامية شرسة.