رأى خبراء أن أوكرانيا تسعى لممارسة ضغط استراتيجي على موسكو عبر استهداف البنية التحتية للطاقة ومصادر النفط، معتبرين أن هذه الضربات تهدف لعرقلة قدرة روسيا على مواصلة الحرب، في الوقت الذي تمتلك فيه موسكو أوراق قوة عدة للحفاظ على استمراريتها.
وأضاف الخبراء لـ"إرم نيوز"، أن الإجراءات الأوروبية والأوكرانية قد تخلق توترًا داخليًا في روسيا، لكنها حتى الآن لم تُحدث تأثيرًا كافيًا لإجبار موسكو على التراجع، خاصة وأن خطورة توسيع هذه الضربات لتشمل منشآت غير عسكرية أو دولاً مجاورة، ما قد يفاقم الأزمة ويزيد من احتمال تصاعد النزاع بشكل أوسع.
وتسعى كييف لنقل الصراع من ميدان النار إلى ميدان العائدات، مستهدفة قطاع الطاقة الذي يشكل العمود الفقري لتمويل الحرب الروسية، في محاولة لإحداث اختلال طويل المدى في قدرة موسكو على الاستمرار.
وأعلنت أوكرانيا أن طائراتها المسيرة بعيدة المدى نفذت ضربة نوعية استهدفت منصة نفطية بحرية رئيسية في بحر قزوين، في سابقة تُعد الأولى من نوعها، ما يعكس توسيعًا لافتًا في بنك الأهداف الأوكراني ليشمل البنية التحتية النفطية البحرية الروسية.
والمنصة المستهدفة، المعروفة باسم "فيلانوفسكي"، والمملوكة لشركة "لوك أويل"، تُعد أكبر حقل نفطي في القطاع الروسي من بحر قزوين، ما يضفي على العملية بعدًا اقتصاديًا واستراتيجيًا يتجاوز الطابع الرمزي للهجمات السابقة.
ومنذ مطلع عام 2024، بدأت كييف تنفيذ حملة منظمة ضد منشآت الطاقة الروسية، إلا أن وتيرة الضربات شهدت تصعيدًا ملحوظًا منذُ شهر آب/أغسطس، حيث باتت أوكرانيا تعتمد ما يصفه مفوض العقوبات الأوكراني فلاديسلاف فلاسيوك بالعقوبات طويلة المدى.
وبين بداية شهر آب/أغسطس 2025 ونهاية من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2025، شنت أوكرانيا هجمات على ما لا يقل عن 77 منشأة طاقة روسية، أي ما يقارب ضعف عدد الهجمات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، مع تسجيل 14 استهدافًا لمصافي التكرير و4 هجمات على محطات تصدير في شهر تشرين الثاني/نوفمبر وحده.
وقال فولوديمير شوماكوف، الدبلوماسي الأوكراني السابق، إن الهدف الأساسي لأوكرانيا هو تدمير القدرات الاقتصادية والعسكرية لروسيا التي تمكّنها من الاستمرار في الحرب.
وأكد لـ"إرم نيوز"، أن استمرار موسكو مرتبط مباشرة بقدراتها الاقتصادية، خاصة وأن روسيا ترغب في الحرب لأنها لا تتعلق فقط بمنطقة دونباس، بل هي حرب استعمارية ضد أوكرانيا التي "خرجت من النفوذ الروسي"، وهو ما تعتبرها موسكو "جمهورية متمردة".
وأشار شوماكوف إلى أن أوكرانيا تسعى لتدمير البنية التحتية للطاقة داخل روسيا، وأن ذلك يعتبر انتقامًا من موسكو التي دمرت نحو 70% من قدرات الطاقة داخل أوكرانيا.
ولفت إلى أن الكهرباء في كييف لا تعمل إلا 4 ساعات يوميًا، فيما ترتكب روسيا "إبادة جماعية" ضد الأوكرانيين عبر إدخالهم في موجات تجمّد شديدة خلال الشتاء.
وأضاف شوماكوف، أن أوكرانيا في بداية الحرب لم تمتلك صواريخ أو طائرات مسيرة، أما اليوم فقد أصبحت رائدة في إنتاج الطائرات المسيّرة والصواريخ الأوكرانية، مع قدرة على استهداف البنية التحتية للطاقة داخل روسيا.
ونوه إلى أن السؤال الجوهري، هو ما إذا كانت هذه الإجراءات ستجبر موسكو على وقف الحرب؟، مشددًا على أنه لا بد من تدمير القدرات الروسية حتى يصبح وقف الحرب أمرًا ممكنًا.
من جهته، قال الدكتور سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن استهداف ناقلات النفط أو مصافي النفط الروسية يشكّل مشكلة حقيقية لموسكو.
وأشار لـ"إرم نيوز"، إلى أن ضرب مصادر الطاقة التي تدر على روسيا الأموال اللازمة لمواصلة الحرب يعرقل الجهود الروسية والخطوات التي تتخذها لمواجهة التحديات التي تفرضها الدول الأوروبية ونظام زيلينسكي.
وأوضح الدكتور أيوب أن مصادرة الأصول والاحتياطات الروسية إضافة إلى الضغط عبر محاولات استهداف المصافي والسفن، لا يمكن أن تجبر روسيا على وقف عمليتها العسكرية بالضرورة، إذ يزداد رد موسكو وتيرة وسرعة.
وكشف أن هذه الهجمات تمثل معضلة أساسية لنظام كييف، خاصة مع استمرار استهداف البنى التحتية للطاقة والكهرباء، في وقت يحتاج النظام الأوكراني موارد نادرة من دعم عسكري ومالي من الدول الأوروبية التي تسعى للتصعيد دون غطاء أمريكي كما في السابق.
ولفت الدكتور أيوب، إلى أن الهدف من الضغط الأوروبي والأوكراني على مصادر الطاقة الروسية هو محاولة إحداث فوضى داخلية في روسيا، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن، إذ لم تُسجل أي أزمة طاقة أو محروقات في المدن الروسية الكبرى، كما لا يبدو أن الضغوط الحالية تشكل عبئًا يدفع موسكو لتغيير سياساتها أو التنازل عن مطالبها منذ بدء العملية العسكرية ضد الناتو في أوكرانيا.
وذكر أن روسيا تمتلك أوراقًا عدة ضد الدول الأوروبية ونظام كييف، منها استخدام موارد الطاقة الأوكرانية ضد أوروبا، وعدم استبعاد تعطيل محطة زابوروجيا إذا شعرت موسكو بأن أمنها الاستراتيجي مهدد، بالإضافة لاحتمال تنفيذ عمليات غامضة ضد محطات طاقة في الدول المجاورة لأوكرانيا حيث تمر المساعدات العسكرية.
وأكد الدكتور أيوب أن كل الأوراق التي استخدمتها أوروبا ضد روسيا لم تحقق "هزيمة" لموسكو، لذلك يستمر الغرب في البحث عن أهداف جديدة يمكن أن تؤلم روسيا، بعد محاولات سابقة لاستهداف خط أنابيب الغاز دروجبا والسفن الروسية، ليس فقط في البحر الأسود بل حتى في المياه التجارية التركية.
وبيّن أن هذه الإجراءات تمثل مقامرة أوروبية خطيرة قد تضع ضغطًا على روسيا لكنها في الوقت ذاته قد تؤدي إلى نتائج عكسية تضرب المصالح الأوروبية نفسها، وتدفعها لمواجهة أزمات داخلية ومالية فوق أزماتها الاقتصادية المتصاعدة.
وحذر الدكتور أيوب من أن استهداف منشآت غير عسكرية وبعيدة عن خطوط النار يبقى خطوة شديدة الخطورة، وقد يؤدي إلى توسيع الصراع ليطال دولًا مجاورة لأوكرانيا.
كما أكد أن استمرار الحرب قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة، خاصة مع معلومات لدى الاستخبارات الروسية عن احتمال صناعة نظام كييف، بدعم من أجهزة استخبارات أوروبية، لقنابل قذرة لاستخدامها في روسيا أو أراض أوروبية، ثم اتهام موسكو بها.