رأى خبراء أن استهداف روسيا لمصافي النفط الأوكرانية في مدينة كريمنشوك الواقعة على ضفاف نهر دنيبرو وسط العاصمة الأوكرانية كييف، يعكس تحول الحرب إلى استنزاف اقتصادي واستراتيجي، حيث يسعى كل طرف لإضعاف قدرة الآخر على إدارة الموارد الحيوية والوقود.
واعتبر الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن السيطرة على الطاقة أصبحت مفتاحًا للتفوق العسكري والسياسي وأن الضربات ليست تكتيكية فقط، بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل ميزان القوى وإرغام الطرف الآخر على الاعتماد على الدعم الخارجي.
وتحولت كريمنشوك، إلى بؤرة قصف مكثف حيث استهدفت القوات الروسية أكبر المصافي والمنشآت النفطية في المدينة، في هجوم واسع النطاق أسفر عن اضطرابات كبيرة في الكهرباء والمياه والتدفئة ومقتل مدني واحد على الأقل، وفق مسؤولين أوكرانيين.
وبدأت سلسلة الانفجارات في كريمنشوك بالتزامن مع تحذيرات القوات الجوية الأوكرانية من اقتراب صواريخ "كينجال" وطائرات بدون طيار متعددة، ووفقًا لعمدة المدينة فيتالي ماليتسكي، تعمل الطواقم على استعادة الخدمات الحيوية وسط أضرار مباشرة لحقت بالمعدات التقنية في عدة منشآت طاقة.
ولم يقتصر الهجوم الروسي على كريمنشوك، بل شمل مناطق تشيرنيهيف وكييف وفاستيف، حيث تضررت البنية التحتية الحيوية والمرافق الأساسية، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن مستوطنات عدة وإصابة مدني وضابط شرطة في تشيرنيهيف.
ووُصفت هذه العمليات بأنها "عديمة المعنى عسكريًا" من قبل الرئيس فولوديمير زيلينسكي، لكنها تؤكد استراتيجيات روسيا المتزايدة لاستهداف قلب البنية التحتية للطاقة الأوكرانية، بما في ذلك محطات الطاقة الحرارية والمصافي النفطية.
وقال مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني إيفان يواس، إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تحولت إلى حرب استنزاف شاملة، مشيرًا إلى أن العامل الاقتصادي أصبح لا يقل أهمية عن العمليات العسكرية الدائرة على خطوط الجبهات.
وأكد لـ"إرم نيوز"، أن أوكرانيا حاولت في الأشهر الماضية استهداف المصافي الروسية، مشيرًا إلى أن موسكو تسعى بطبيعة الحال للرد بالمثل، لأن الاقتصاد هو العنصر الحاسم في حروب الاستنزاف.
وأشار يواس إلى أن التاريخ يقدم مثالًا واضحًا على ذلك، فحتى ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى رغم نجاحها على الجبهة لم تتعرض لأي هجمات مباشرة، لكنها خسرت بسبب انهيار قدراتها الاقتصادية، مضيفًا أن الوضع اليوم مشابه فقد تحققت بعض النجاحات العسكرية، لكن فقدان مقومات الاقتصاد قد يدفع الدول في النهاية للاستسلام.
ولفت إلى أن هذا هو السبب وراء استهداف روسيا لمصافي النفط الأوكرانية في كريمنشوك، بهدف حرمان أوكرانيا من مواردها المحلية وزيادة اعتمادها على الدعم الغربي، مؤكدًا أن موسكو تسعى أيضًا للتأثير على الرأي العام في الدول الغربية برسالة مفادها أن مواطني تلك الدول لا ينبغي أن يتحملوا تكلفة الحرب نيابة عن الأوكرانيين.
من جانبه، قال رامي القليوبي، أستاذ الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن استهداف روسيا لأكبر مصافي النفط الأوكرانية يأتي في سياق الحروب الحديثة، حيث يكون استهلاك الوقود مرتفعًا للغاية.
وأشار في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن كل طرف يحاول توجيه أقصى ضربات لقطاع الطاقة لدى الطرف الآخر، باعتباره شريانًا رئيسيًا للعمليات العسكرية، مؤكدًا أن الجانب اللوجستي والتمويل قد يكون أكثر حسماً من القوة النارية نفسها.
وأضاف القليوبي أن هذا النهج يعكس محاولة كل من موسكو وكييف إلحاق هزيمة مركّبة بالطرف الآخر، تجمع بين الإضرار بالقدرات القتالية والضغط على البنية التحتية الحيوية، معتبرًا أن استهداف منشآت الطاقة لم يعد مجرد خطوة تكتيكية بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل ميزان القوى.
وأوضح أن الجيوش المعاصرة تعتمد على منظومات نقل وإمداد معقدة، ما يجعل الوقود بمثابة "العصب المحرك" للعمليات، ومن ثم فإن ضرب المصافي وخطوط الإمداد يهدف إلى تعطيل الجبهة وإرباك حسابات القيادة السياسية، ومن يسيطر على معادلة الطاقة يمتلك أفضلية قد تتحول إلى مكسب عسكري أو سياسي حاسم.