تأتي صفقة شراء 48 مقاتلة روسية من طراز سو-35 بقيمة 6.5 مليار دولار، والتي تسربت تفاصيلها مؤخرًا، في وقت تشهد فيه إيران ضغوطًا متزايدة على برنامجها النووي بعد ضربات أمريكية وإسرائيلية متعددة.
وبحسب صحيفة "آسيا تايمز"، تهدف الصفقة إلى تحديث القوة الجوية الإيرانية، وإحلال مقاتلات سو-35 الحديثة محل الطائرات القديمة مثل إف-14 وإف-4، وتأسيس أول خط تجميع شبه محلي للمقاتلات في قاعدة شهيد باباي الجوية بالقرب من أصفهان.
وتكشف الوثائق المسربة عن استعداد روسيا لتسليح حليف متضرر دون الانخراط المباشر في الصراعات الإقليمية، حيث تم تجهيز الطائرات بأنظمة حرب إلكترونية متطورة من طراز خيبيني-إم ورادارات Irbis-E، مع إمكانية دمج التجميع المحلي تحت إشراف إيراني.
ورغم ذلك، يبقى السؤال حول مدى تأثير هذه الصفقة على التوازن العسكري في الشرق الأوسط قائمًا، في ظل محدودية الالتزام الروسي ومحدودية عدد الطائرات مقارنة بالقدرات الجوية الأمريكية والإسرائيلية.
تمنح صفقة "سو-35" إيران دفعة نوعية في قدراتها الجوية، خاصة بعد تسليم طائرات ميغ-29 منخفضة المواصفات الشهر الماضي.
ستنشئ الطائرات الجديدة سربين حديثين، مع تعزيز القدرات عبر أنظمة رادار متقدمة وأسلحة ثقيلة، تشمل صواريخ جو-جو بعيدة المدى من طراز R-37M، مما قد يتيح تهديد طائرات التزود بالوقود الإسرائيلية، ودعم الضربات الجوية دون الحاجة لمواجهات مباشرة.
لكن تحديث القوة الجوية الإيرانية لن يكون بالضرورة تحولًا جذريًا في ميزان القوى؛ حيث أظهرت الغارات الإسرائيلية، في يونيو/حزيران 2025، ضعف الدفاعات الإيرانية؛ حيث لم تتمكن إيران من إرسال سوى طائرة ميغ-29 واحدة لاعتراض طائرات إف-16 الإسرائيلية، وفقدت طائرتين إف-14 على الأرض.
كما تمكنت قاذفات الشبح الأمريكية بي-2 من تنفيذ ضربات دقيقة على منشآت نووية تحت الأرض، مما يعكس فجوة كبيرة بين القدرات الجوية الإيرانية الحالية والمتطلبات الدفاعية الحقيقية.
تشير التقديرات العسكرية إلى أن "سو-35" قد تتفوق تقنيًا على طائرات "إف-15" و"إف-16" الإسرائيلية القديمة، خاصة من حيث الرادارات الثلاثية، وأنظمة البحث والتتبع بالأشعة تحت الحمراء.
ومع ذلك، فإن العدد المحدود من الطائرات، إلى جانب التدريب والتكامل مع الدفاعات الأرضية الإيرانية، قد يحد من قدرتها على تغيير التوازن العسكري بشكل ملموس على المدى القريب.
تواجه روسيا قيودًا كبيرة على قدرتها الإنتاجية، رغم خطط زيادة إنتاج طائرات سوخوي بنسبة 30% بحلول 2030. فشركة UAC تستطيع تصنيع طائرة واحدة فقط كل شهر إلى شهرين، ونقص العمالة مع تسريح 1500 موظف إداري قد يؤخر التسليم. كما أن العقوبات الدولية تحد من القدرة على التوسع في الإنتاج.
ويشير المراقبون إلى أن نهج روسيا في دعم إيران انتقائي، يقتصر على تسليح الحليف دون الانخراط في صراعاته الإقليمية، خاصة ضد إسرائيل.
ويعكس هذا رغبة موسكو في الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الإقليمية مع منافسي إيران، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وتجنب المخاطرة بمكانتها الدولية.
حتى على صعيد العمليات العسكرية، تظهر تجربة أوكرانيا أن "سو-35" ليست منيعة تمامًا؛ حيث تكبدت روسيا خسائر مؤثرة في مواجهات متعددة، بسبب الدفاعات الجوية والأخطاء التكتيكية؛ وهذا يُبرز أن الاعتماد على هذه الطائرات وحدها لا يضمن تفوقًا مضمونًا للقوة الجوية الإيرانية.
يبقى التساؤل الرئيس حول مدى قدرة هذه الصفقة على إعادة إحياء القوة الجوية الإيرانية؛ حيث إن الطائرات الجديدة تمثل أداة نوعية لتحديث أسطول قديم، لكنها لا تحل بالضرورة مشكلة ضعف البنية الدفاعية الإيرانية أو توفر حماية شاملة للبرنامج النووي والمصالح الحيوية.
ويعتمد النجاح بشكل رئيس على استعداد إيران لتطبيق تدريب فعال، تطوير البنية التحتية للدفاع الجوي، وتكامل الطائرات الجديدة مع الأنظمة الأرضية والإستراتيجية الإقليمية.
من جهة أخرى، تعكس الصفقة الحدود الواقعية للالتزام الروسي؛ فهي توفر أجنحة متطورة لكن بدون دعم مباشر في المعارك، ما يجعل قدرة إيران على مواجهة تهديدات جوية أمريكية وإسرائيلية محدودة.
في هذا السياق، يمكن اعتبار صفقة "سو-35" خطوة نحو الحد من ضعف القوة الجوية الإيرانية، لكنها ليست تغييرًا جذريًا في ميزان القوة، وقد تتحول إلى سراب إذا لم تُرافق بإصلاحات شاملة في التدريب والبنية التحتية، والتكامل العسكري.
في النهاية، تمنح صفقة "سو-35" إيران أجنحة حديثة لتحسين أسطولها الجوي، لكنها تكشف حدود الدعم الروسي وقيود الإنتاج والتوريد.
ويكمن التحدي الحقيقي في قدرة إيران على دمج هذه الطائرات في منظومتها الدفاعية الضعيفة، وتحويلها إلى قوة ردع فعلية في مواجهة القوى الجوية الأمريكية والإسرائيلية، وإلا فإن القوة الموعودة ستظل مجرد سراب بعيد المنال.