تعرّضت الهند، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لصدمة سياسية واقتصادية خلال ولاية دونالد ترامب الثانية، كشفت عن دروس قاسية حول مكانتها في النظام العالمي الجديد، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
ولعقود، سعت نيودلهي إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، معتبرة إياها شريكاً استراتيجياً لموازنة النفوذ الصيني.
لكن سياسات ترامب الحمائية ومواقفه "المتعالية" تجاه الهند، أظهرت أن واشنطن لا ترى في الهند حليفاً متساوياً، بل "عميلاً يخضع لمصالحها".
ويرى تقرير الصحيفة البريطانية أن "صدمة" رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، من ترامب، أجبرته على إعادة تقييم طموحاته الجيوسياسية، مستفيداً من خمسة دروس "قاسية".
كان مودي يراهن على علاقة خاصة مع ترامب، مستنداً إلى تقارب أيديولوجي بين اليمين المتشدد في البلدين، لكن هذه العلاقة تحولت إلى مصدر إحراج عندما فرض ترامب رسوماً جمركية باهظة على الهند، بدءاً بنسبة 25% في أبريل/نيسان، ثم مضاعفتها إلى 50% عقاباً على شراء الهند للنفط الروسي خلال الحرب الأوكرانية.
وهذه الرسوم جعلت الصادرات الهندية غير قادرة على المنافسة في السوق الأمريكية، مما كشف أن الولايات المتحدة لا تعتبر الهند شريكاً اقتصادياً متساوياً.
ووفق "الغارديان"، فإن مودي استوعب أن التقارب مع الغرب لا يضمن معاملة خاصة، خاصة إذا لم تكن الدولة جزءاً من "النادي الغربي" الثقافي أو الاقتصادي.
خلال الصراع الهندي الباكستاني عقب هجوم باهالغام، عامل ترامب ونائبه جيه دي فانس الهند وباكستان كدولتين متخاصمتين تحتاجان إلى "ضبط" أمريكي.
ورأى تقرير "الغارديان" ان تصريحات ترامب التي زعم فيها أن تهديداته الهاتفية أوقفت القتال، وتصنيفه للهند كدولة "جامحة"، شكلت إهانة جيوسياسية.
كما أن وصفه للهند بـ"الاقتصاد المتعثر" واتهامات مستشاره بيتر نافارو لها بالتربح من الحرب الأوكرانية، أظهرت نظرة متعالية تقلل من شأنها كقوة عالمية، وهو أشعر نيودلهي رغم ثقلها الاقتصادي، أنها لا تزال تُعامل كقوة ثانوية في نظر واشنطن.
على الرغم من ميل الهند نحو الولايات المتحدة منذ توقيع الاتفاق النووي في عهد مانموهان سينغ، ومشاركتها في تحالفات مثل "الرباعية" لمواجهة الصين، أظهرت أزمة ترامب أن الاعتماد المفرط على الغرب يعرّض نيودلهي للمخاطر.
واعتبر التقرير أن سياسة عدم الانحياز، التي تُعاد صياغتها اليوم تحت اسم "الاستقلال الاستراتيجي"، تظل ضرورة للحفاظ على حرية الهند في عالم متعدد الأقطاب.
وكانت قدرة الهند على شراء النفط الروسي وتصديره إلى أوروبا بموافقة ضمنية من إدارة جو بايدن، مثالاً على هذه السياسة، لكن عقوبات ترامب أثبتت أن مثل هذه المناورات قد تُعاقب إذا تعارضت مع مصالح الغرب.
تكشف سياسات ترامب عن تحول أعمق في النظام العالمي، فمع تراجع الهيمنة الغربية في ظل أزمة المناخ وصعود الصين، يعيد الغرب بناء جدرانه الاقتصادية والجيوسياسية، مستبعداً دولاً مثل الهند.
وذهبت "الغارديان" إلى أن الرسوم الجمركية ليست مجرد قرارات آنية، بل جزء من اتجاه حمائي يعكس صعود اليمين المتطرف في الغرب، مشيرة إلى أن قادة مثل نايجل فاراج وفيكتور أوربان يؤكدون أن هذا الاتجاه سيستمر.
تعلم مودي، بحسب الصحيفة البريطانية، أن الجغرافيا تحدد مصير الهند، إذ لا يمكنها مواجهة الولايات المتحدة كما تفعل الصين، ولا يمكنها أن تكون تابعاً كالدول الأوروبية.
وخلُصت إلى أن الهند ستظل تسير على حبل مشدود، محافظة على استقلاليتها بينما تتفاوض في عالم معادٍ، ما يضعها أمام خيارات مقيدة، حيث يجب عليها موازنة طموحاتها الداخلية مع ضغوط النظام العالمي.