logo
العالم

برلمان بلا صلاحيات وحملات دون صوت.. قرغيزستان تُدفن نبضها السياسي

برلمان قرغيزستانالمصدر: Trend.az

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في قرغيزستان، المقررة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، تبدو البلاد وكأنها فقدت نبضها السياسي الذي طالما ميّزها داخل آسيا الوسطى. 

فبعد عقود من الاضطرابات والثورات والمنافسة الحزبية الصاخبة، تتجه بيشكيك اليوم نحو صناديق اقتراع بلا حماس، وبحملات انتخابية هادئة، وبرلمان فقد معظم صلاحياته، وسط شعور عام بأن السياسة لم تعد تستحق الاهتمام، بحسب مجلة " The Diplomat".

كانت قرغيزستان تُعد "الاستثناء الديمقراطي" الإقليمي بفضل مجتمعها المدني الحيّ ونقاشاتها المفتوحة وجرأة الإعلام في مساءلة السلطة؛ إلا أنّ المشهد الراهن يوحي بانغلاق المجال العام وتراجع الثقة والأمل، في وقت يتحول فيه النظام السياسي أكثر فأكثر إلى رئاسي مركزي على حساب البرلمان والأحزاب.

من برلمان نشط إلى مؤسسة شكلية

شهدت قرغيزستان منذ استقلالها ثماني انتخابات برلمانية، بدأت بنموذج ثنائي المجلس في التسعينيات، ثم تطورت إلى نظام برلماني نسبي واسع التمثيل بعد ثورة 2010، حين كان البرلمان يُعد الضمانة الأساسية لمنع عودة الحكم الفردي.

أخبار ذات علاقة

مسؤولون من روسيا وقرغيزستان خلال توقيع اتفاقية مع "روساتوم" الروسية.

قرغيزستان تكسر حلقة بكين.. سباق محموم لبناء صناعة سيارات كهربائية مستقلة

لكن محطة 2021 كانت نقطة التحول الكبرى؛ فقد أدّى تبني دستور جديد بدفع من الرئيس صدر جباروف إلى تقليص صلاحيات البرلمان وإعادة تركيز السلطة في يد الرئيس، ما جعل البرلمان هيئة أقرب إلى المنصة الشكلية منه إلى مؤسسة رقابية وتشريعية مؤثرة. 

ومع تقليص المقاعد إلى 90 فقط، ثم اعتماد نظام انتخابي جديد يقوم على الدوائر الفردية الثلاثية، جرى تقويض ما تبقّى من دور الأحزاب السياسية التي كانت – رغم هشاشتها – جزءًا من الحيوية الديمقراطية القرغيزية.

وبينما كان البرلمان سابقًا ساحة لنقاشات صاخبة وتصادمات سياسية تُتابَع على نطاق واسع، تحول في السنوات الأخيرة إلى فضاء يملؤه الخطاب الشعبوي والسجالات غير الجدية، قبل أن يفقد مكانته بالكامل في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة.

حملات باهتة وناخبون غير مبالين

تبدو الانتخابات الحالية الأكثر فتورًا في تاريخ البلاد. فالمرشحون إمّا وجوه قديمة فقدت بريقها أو أسماء مغمورة لا يعرفها الجمهور، بينما تخلت الحملات عن مظاهر الحشود والمهرجانات التي كانت تملأ المدن والقرى خلال الانتخابات السابقة.

ويوحي المشهد العام بأن الرهان أصبح منخفضًا، وأن ميزان القوى محسوم مسبقًا لصالح السلطة التنفيذية.

أخبار ذات علاقة

رئيس قرغيزستان صدر جباروف

رئيس قرغيزستان يعترض على إلغاء عقوبة تعدد الزوجات

لا يكترث كثير من المواطنين بالاستحقاق الانتخابي، إذ ينشغلون أكثر بأزمات حياتية مثل قيود الكهرباء وارتفاع الأسعار. وحتى في الفضاء الرقمي، الذي كان الملاذ الأخير للنقاش السياسي، يسود الحذر بعد تزايد حالات العقوبات المرتبطة بمنشورات سياسية. 

يتردد الناس في التعبير عن آرائهم، ويتجنب كثيرون الخوض في الشأن العام حتى في جلساتهم الخاصة.

تعرضت المؤسسات الإعلامية المستقلة، التي شكّلت لسنوات حجر الزاوية في الرقابة الشعبية، للتضييق أو الإغلاق، مثل كلوب وأزاتيك وتي في أبريل، ما جعل التغطية الانتخابية محدودة وضعيفة التأثير. 

ومع تقلص دور المجتمع المدني بعد سنوات من القمع والاستهداف، صار الحديث عن احتجاجات أو حملات ضغط شبه مستبعد.

تعزيز السلطة المركزية

اعتماد نظام انتخابي يقوم على 30 دائرة متعددة الأعضاء، ينتخب كل منها ثلاثة ممثلين وفق قاعدة "الفائزون الثلاثة الأوائل"، يُمثل تحوّلًا جوهريًّا يُضعف الأحزاب لمصلحة المرشحين الأفراد وشبكات النفوذ المحلية. 

ومع وجود شرط الحد الأدنى من التمثيل النسائي، يبقى التغيير تجميليًّا أمام فقدان الأحزاب دورها المركزي.

ورغم أن تعديلات التسجيل والتصويت، التي تسمح بالاقتراع في أي مركز انتخابي – تُعد خطوة عملية نحو تسهيل المشاركة، إلا أنها لا تغيّر الجوهر السياسي؛ انتخابات تُجرى في ظل برلمان ضعيف، ومشهد عام خائف، وفضاء إعلامي مُفرّغ، وسلطة رئاسية توسعية.

تأتي الانتخابات أيضًا مباشرة بعد قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي يحضرها فلاديمير بوتين، في تزامن غير ذي صلة مباشرة، لكنه يفرض ضغطًا على موارد الدولة ويُشتت اهتمام الحكومة والجمهور، ما يعزز الانطباع بأن الانتخابات تمر بلا تركيز ولا اهتمام.

أخبار ذات علاقة

تمثال لينين في قرغيزستان

إزالة تمثال لينين.. هل تنأى قرغيزستان عن التبعية لروسيا؟

تحوّل الثقافة السياسية

ما يجري اليوم لا يبدو مجرد فتور انتخابي مؤقت، بل تحوّل عميق في الثقافة السياسية. كثير من النشطاء يعتبرون أن "النضال لم يعد مجديًا"، وأن الأولوية هي "البقاء"، في مؤشر واضح على انكماش المجال المدني.

وبات النقاش السياسي يُنظر إليه كأمر محفوف بالمخاطر، بينما تتبنى قطاعات واسعة رقابة ذاتية غير مسبوقة.

بهذا السياق، تتجه قرغيزستان تدريجيًّا نحو الطرف السلطوي من طيف أنظمة آسيا الوسطى، مبتعدة عن صورتها التقليدية كـ"الديمقراطية الوحيدة في المنطقة". 

ومع ترسيخ النظام الرئاسي وتراجع الأطراف الفاعلة، قد تشكل انتخابات نوفمبر 2025 لحظة مفصلية تُعلن نهاية مرحلة سياسية كاملة، وبداية نموذج جديد أكثر انغلاقًا، وأقل حياة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC