يرى خبراء أن ملف اللاجئين السوريين جمع "الإخوة الأعداء" في ألمانيا للمرة الأولى في تاريخها الحديث، وبدّل التحالفات بعد توافق الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب المسيحي الاجتماعي مع حزب "البديل" خلال التصويت على مشروع قانون قدم للبرلمان بشأن تقييد الهجرة واللجوء.
وفي مفاجأة كبيرة شهدها البرلمان الألماني، الجمعة، رفض النواب مشروع قانون للهجرة تقدمت به المعارضة بهدف تشديد السياسات المتعلقة بالهجرة، في وقت يتصاعد فيه الجدل السياسي حول التعاون مع اليمين المتطرف.
وأصبح سقف التوقعات الحالي في التحالفات دون حدود، وذلك بعد أن خيم مصطلح "الإخوة الأعداء" على تحالف من اتحدوا أو توافقوا مؤخرًا، ضد السياسات المتبعة حاليًّا مع اللاجئين وفي صدارتهم السوريون، عندما اجتمع الشريكان التاريخيان الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب المسيحي الاجتماعي مع عدو الأمس، حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي يمثل "اليمين المتطرف".
ويأتي هذا التحالف ضد وجود اللاجئين والرهان على ذلك في الانتخابات المقبلة، بعد أن كانت أحزاب "الديمقراطي المسيحي" و"المسيحي الاجتماعي"، في تحالف بالانتخابات الماضية مع الحزب الاشتراكي الذي يتزعمه المستشار أولاف شولتز ضد حزب "البديل"، لتتبدل ورقة التحالفات التاريخية في السياسة الألمانية العتيدة مع هذه الانتخابات.
توافق تاريخي
ويقول أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور عبد المسيح الشامي، إن ملف اللاجئين هو الورقة الانتخابية الأهم والقائمة عليه المنافسة من حيث تنظيم عمليات الهجرة واللجوء ولم الشمل، وأيضًا السياسات التي تتعاطى مع فكرة أبواب اللجوء على محيط أوروبا.
وأضاف الشامي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تصويت الجمعة الماضي حمل للمرة الأولى في تاريخ ألمانيا الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية، توافقًا بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي مع حزب البديل.
وأوضح الشامي أن التوافق بين هذه الأحزاب، حدث ربما للمرة الأولى، من خلال السعي لإقرار قانون كان سيتضرر منه اللاجئون السوريون في حال إتمامه، إذ يَمنع اللاجئين بشكل عام من القيام بعمليات لم الشمل ويغلق الحدود بشكل نهائي، ويعطي صلاحيات للشرطة بعودة اللاجئين بالقوة إلى بلدهم، ولكن سقط مشروع القانون من خلال تصويت عدد كبير من الأحزاب ضده.
ملف اللاجئين حالة جدلية في الانتخابات
وذكر الشامي أن ملف اللاجئين يعتبر حالة جدلية في الانتخابات المنتظرة، والتي ستكون مؤثرة في تاريخ ألمانيا الحديث؛ لأن الخلافات ليست قائمة فقط بين الأحزاب، ولكن في داخلها أيضًا حول التعامل مع اللاجئين، ولا سيما أن هذا التوجه سيكون مخالفًا للقيم التي بُني عليها الدستور الألماني من حيث حقوق الإنسان واللجوء.
وتابع الشامي أنه إذا جاءت الانتخابات المقبلة بفوز الأحزاب الرافضة لوجود اللاجئين، سيكون الاتجاه نحو إقرار سياسات ضد اللاجئين، وسوف يؤدي ذلك إلى امتعاض في الجالية السورية وردود فعل غير معلوم عقباها، وتبعات ناتجة عن تأزيم سبل الحياة على اللاجئين السوريين.
صدام الإخوة
ووصف الباحث في السياسات الألمانية، حسن رضوان، ما يحدث حاليًّا من مواجهات انتخابية متبدلة بسبب ملف اللاجئين بصدام "الإخوة الأعداء"، وذلك عندما يتوافق حزب "البديل" مع أحزاب كانت ترفضه حتى وقت قريب وتنافسه في الانتخابات الماضية، وتنفصل الأخيرة عن أصدقاء الأمس بعد أن كان يجمعهم ملف اللاجئين الذي فرقهم مؤخرًا.
وبين رضوان في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن من بين المخاوف الأولية في حال فوز "البديل" والأحزاب التي يتفق معها في سياسات تجاه اللاجئين السوريين وحصولهم على المقاعد التي تسمح لهم بتمرير القوانين بالبرلمان، تتعلق بتحقيق وعودهم الانتخابية بترحيل من لديهم سمات إقامة حماية "ثانوية" أو "مؤقتة" من جهة، ومن جهة أخرى وضع عراقيل أمام من حصلوا على إقامات دائمة أو جنسية في استقدام أسرهم وعائلاتهم إلى ألمانيا.
ووقف رضوان على أشكال الرهان السياسي حول ملف اللاجئين، حيث يعمل "البديل" وحلفاؤه على إظهار أن اللاجئين السوريين تسبّبوا في أضرار اقتصادية واجتماعية لألمانيا التي أنفقت عليهم كثيرًا من الأموال في برامج التأهيل والمعايشة.
رهانات الحزب الاشتراكي
واستكمل رضوان أن الحزب الاشتراكي يراهن من خلال سياساته على جمهوره، فضلًا عن مجموعات من أحزاب أخرى، تعترض على سياسات حزبهم تجاه اللاجئين، مشيرًا إلى أن دعاية "الاشتراكي" في الوقت الحالي، تعمل على تقديم إثباتات على أن اللاجئين ليسوا سبب أزمات ألمانيا، بل يذهب بالحديث إلى أن عدم وجودهم كان سيضر باقتصاد بلادهم "العجوز" الذي كان سيتأثر العمل فيه سلبًا في حال عدم توفر أيدٍ عاملة "شابة" من اللاجئين، نجحوا بعد أن قدم لهم برامج الاندماج والتأهيل المهني.
ولفت رضوان إلى أن "الاشتراكي" الذي يتزعمه شولتس مع تيارات حزبية ألمانية ترفض أن يتم تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية أزمات ألمانيا ومن ثم وجود حجج لترحيلهم، ويعمل بتركيز كبير على إظهار أن مشاكل ألمانيا موجودة قبل مجيء اللاجئين، ومتعلقة بمشاكل المجتمع مع الحد الأدنى للأجور والمعاشات وأسعار الإيجارات، وهي أزمات من الصعب التعامل معها سياسيًّا.