مع تصاعد التوترات السياسية في فرنسا، قد يجد الفرنسيون أنفسهم خلال نهاية العام أمام احتمال غير مسبوق يتضمن غياب حكومة وميزانية معتمدة عشية عيد الميلاد.
وهذه الأزمة السياسية تلقي بظلالها على المشهد الوطني، وسط اتهامات متبادلة بين الأحزاب السياسية، وتنامي المخاوف من تداعيات هذا الشلل.
وتجدد الحديث حول إمكانية إسقاط الحكومة مع تلميحات من زعيمة حزب التجمع الوطني (RN) مارين لوبان باستخدام التصويت على حجب الثقة.
وهذا التهديد لن يكون له أثر، إلا في حال الاستفادة من أصوات اليسار المتطرف الذي يقوده حزب فرنسا الأبية (LFI)، ما يجعل المشهد السياسي أكثر غرابة.
من جهة أخرى، يشير المحللون إلى أن "هذا التحالف المحتمل، رغم تناقضاته الأيديولوجية، قد يضع الحكومة في موقف هشّ، إذ يمكن للفرنسيين أن يجدوا أنفسهم في نهاية العام بلا حكومة ولا ميزانية".
ورأى جان بارثيلمي، الخبير الاقتصادي والسياسي في مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن الأزمة الحالية تعكس "شللاً هيكلياً في العملية السياسية الفرنسية، إذ أصبحت الحكومة غير قادرة على تأمين أغلبية تدعم الميزانية أو السياسات الرئيسة".
وقال بارثيلمي، لـ"إرم نيوز"، إن "اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور التي تسمح بتمرير الميزانية دون تصويت برلماني، يمثل تحدياً خطيراً لمفهوم الديمقراطية التشاركية".
وحذر من أن "الفشل في اعتماد موازنة 2025 قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية، خصوصاً مع التزامات فرنسا الأوروبية والدولية".
بدورها، قالت ماريون دوبريه، المحللة في مركز الأبحاث حول المالية العامة والسياسات الحكومية، إن "الخلافات السياسية بين الأحزاب تعرقل تمرير ميزانية ذات أهداف اقتصادية واضحة".
وأضافت دوبريه، لـ"إرم نيوز"، أن "الوضع الحالي يبرز أزمة أعمق تتعلق بإصلاح النظام الضريبي وإعادة توزيع الموارد".
وأشارت إلى أن "غياب التوافق السياسي قد يؤدي إلى اضطرابات في تمويل الخدمات العامة، ما يؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين ويضع الحكومة تحت ضغط شعبي متزايد".
ويتفق المحللان على أن استمرار الأزمة دون حلول ملموسة قد يدفع فرنسا إلى مواجهة تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
على صعيد آخر، تتصاعد حدة الجدل داخل اليسار بشأن إصلاحات التقاعد.
ويعتزم نواب اليسار طرح مشروع لإلغاء الإصلاحات الأخيرة.
وبينما يظهر الاشتراكيون دعمًا متوقعًا لهذا المشروع، فإنهم يعيدون طرح إصلاحاتهم السابقة في تناقض يثير التساؤلات حول مدى جديتهم السياسية.
في خضم هذه الأزمات، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى قراءة جديدة لأفكار المؤرخ الفرنسي مارك بلوك، الذي ألقى في كتابه "الهزيمة الغريبة" الضوء على أخطاء فرنسا في الماضي.
ويرى ماكرون في هذه الرؤية التاريخية دعوة لتجاوز الانقسامات السياسية الراهنة وتحقيق التضامن الوطني.