أعلن رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو أن بلاده ستعرقل أي عقوبات جديدة يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا إذا تبين أنها تضر بالمصالح الوطنية السلوفاكية.
وتسلط هذه الخطوة الضوء على تصدعات داخل الموقف الأوروبي الموحد تجاه موسكو.
يأتي هذا الإعلان بعد مصادقة البرلمان السلوفاكي على قرار يدعو الحكومة إلى عدم دعم أي إجراءات جديدة ضد روسيا، وهو ما يُنظر إليه كتحول لافت في سياسة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، في ظل استمرار الحرب الروسية ـ الأوكرانية.
وقال فيتسو في مؤتمر صحفي إن القرار البرلماني هو أداة سياسية تحمل رسالة قوية، مؤكدًا أن سلوفاكيا لا تزال تسعى إلى البقاء بناءة داخل الاتحاد الأوروبي، لكنها لن تصوت أبدًا لصالح عقوبات تضر بها، على حد تعبيره.
ورغم الموقف المعلن، لم تسجل سلوفاكيا أي عرقلة سابقة للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، بما في ذلك الحزمة السابعة عشرة التي استهدفت "أسطول الظل" الروسي، والتي أُقرت في مايو الماضي.
وتفتح الخطوة التي أقدمت عليها براتيسلافا الباب أمام تساؤلات أوسع حول مستقبل تماسك الموقف الأوروبي تجاه روسيا، لا سيما في ظل بروز توجهات وطنية داخل بعض الدول الأعضاء تعطي الأولوية للاعتبارات الاقتصادية والسيادية، ولو على حساب وحدة القرار الأوروبي.
وأكد خبراء أن سلوفاكيا باتت تتبنى موقفًا أكثر استقلالية داخل الاتحاد الأوروبي، مدفوعة بمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وعلى رأسها تأمين إمدادات الطاقة، وأن هذا الموقف ومعها دول مثل المجر، يعكس حالة من التململ داخل المنظومة الأوروبية، خصوصًا من السياسات المركزية الصارمة المفروضة من بروكسل.
وأوضح الخبراء لـ"إرم نيوز" أن اعتماد سلوفاكيا على الغاز الروسي، وغياب البدائل القريبة بسبب موقعها الجغرافي، دفعها إلى رفض أي عقوبات أوروبية قد تُلحق الضرر بعلاقاتها مع موسكو.
وأشار الخبراء إلى أن دعم روسيا لرئيس الوزراء السلوفاكي خلال الانتخابات الأخيرة، عزز من توجه الحكومة نحو تبني سياسة أكثر تحفظًا تجاه التصعيد الأوروبي ضد الكرملين.
واعتبروا أن بعض دول الاتحاد باتت ترفض الانجرار وراء "حرب استنزاف" تقودها أوكرانيا، في ظل غياب رؤية موحدة لحل النزاع.
بداية، قال كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إن الصراع الروسي الأوكراني تحول إلى صراع مصالح وهيمنة، خاصة من قبل الدول التي تهيمن على القرار داخل الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن هذه الهيمنة أصبحت واضحة للعيان.
وأكد حميد لـ"إرم نيوز"، أن الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، التي جرت في صيف العام الماضي، منحت بعض الدول الصغيرة داخل الاتحاد صوتًا رافضًا لقرارات كانت، برأيه، ستؤدي إلى تفكيك الاتحاد، خصوصًا من قبل سياسيين يتبنون سياسات متشددة تجاه القضايا الدولية.
وأضاف أن سلوفاكيا، رغم عدم وجود حدود مباشرة لها مع روسيا، تعد قريبة سياسيًا من موسكو بحكم جوارها للمجر، وأن موقف رئيس وزرائها، روبرت فيتسو، لا يعني بالضرورة انحيازًا لروسيا أو قطيعة مع بروكسل، بل يمثل محاولة لقراءة المشهد السياسي بعد أربع سنوات من حرب وصفها ب"المستنزف"، لم تحقق فيها أوكرانيا أي انتصار يُذكر، بل تجاوزت الخطوط الحمراء.
وأشار إلى أن "كييف، في رأيه، تحاول جر الاتحاد الأوروبي بالكامل إلى صراعها مع موسكو، وتوريط الدول المجاورة في حرب استنزاف طويلة، وفي الوقت نفسه تسعى دول غربية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإجباره على القبول بشروطها، وليس بشروط تسوية متوازنة".
وأوضح أن "سلوفاكيا، ومن قبلها المجر، وربما دول أخرى لاحقًا، قد تتخذ مواقف مشابهة لسحب البساط من تحت كييف ودفعها نحو القبول بتسوية، سواء مؤقتة أم دائمة".
وشدد على أن العقوبات الأوروبية ضد روسيا أثبتت فشلها علميًا ومنطقيًا، إذ تسببت بأضرار أكبر لدول الاتحاد مقارنة بتأثيرها على موسكو، لافتًا إلى أن بيانات النمو الاقتصادي العالمي تعكس هذه الحقيقة بوضوح.
وأضاف أن أوروبا باتت اليوم تعيش حالة شبيهة بما صرح به الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عام 2001 "من لم يكن معنا فهو ضدنا".
وأشار إلى أن بروكسل تتجه نحو فرض قرارات مركزية صارمة على الجميع، حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير البنى التحتية للدول الأعضاء.
من جانبه، قال د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن سلوفاكيا ورئيس وزرائها تلقيا دعمًا روسيًا خلال الانتخابات، ولا تزال البلاد تعتمد على الغاز الروسي، رغم التطورات الجيوسياسية الأخيرة.
وأكد رشوان، لـ"إرم نيوز" أن سلوفاكيا، إلى جانب المجر والنمسا، لا تطل على البحر، وكانت تعتمد على خط الغاز المار عبر أوكرانيا، ما جعل إغلاق هذا الخط سببًا مباشرًا في اتخاذها موقفًا مناوئًا لكييف.
وأضاف أن سلوفاكيا تعارض فرض عقوبات جديدة على روسيا، المتوقع إعلانها نهاية الشهر الجاري، بسبب استفادتها من علاقاتها مع موسكو، لافتًا إلى أن المجر وسلوفاكيا سبق أن عارضتا قرارات أوروبية مماثلة ضد روسيا.
وأشار إلى أن القرارات المحلية لهذه الدول لا تؤثر فعليًا على سياسات الاتحاد الأوروبي العامة، وبالتالي، فإن موقفها الفردي لن يكون له تأثير كبير، حتى إن خالف التوجه الجماعي.
وأكد أن المجر بدورها تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا، مشيرًا إلى مشاركة رئيس وزرائها في احتفالات «عيد النصر» في 9 مايو الماضي، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو.
وخلص إلى أن موقفي سلوفاكيا والمجر لن يكون لهما تأثير جوهري على موقف الاتحاد الأوروبي الجماعي تجاه روسيا، مؤكدًا أن السياسات الأوروبية تُحسم غالبًا عبر توافق أوسع يتجاوز المواقف الفردية.