logo
العالم

تحالف روسيا وكوريا الشمالية.. ورقة ضغط استراتيجية في مواجهة "الناتو"

تحالف روسيا وكوريا الشمالية.. ورقة ضغط استراتيجية في مواجهة "الناتو"
كيم وبوتين في لقاء سابقالمصدر: منصة إكس
08 يونيو 2025، 4:20 ص

في تصعيد لافت بخريطة التحالفات الدولية، أعلن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون التزامه الكامل بدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، دون قيد أو شرط، ملوحًا بتفعيل بنود معاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين عام 2024. 

وأكد كيم أن بلاده ستدعم من دون قيد أو شرط موقف روسيا وسياساتها الخارجية في جميع القضايا السياسية الدولية الحاسمة، بما في ذلك القضية الأوكرانية، مشددًا على "الالتزام بمسؤولية" بأحكام المعاهدة التي وصفها بـ"الركيزة الاستراتيجية" للعلاقات بين البلدين. 

وتعود أصول معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة إلى يونيو/حزيران عام 2024، حين وقّعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خلال زيارة الأول إلى بيونغ يانغ. 

وتتضمن المعاهدة، وفق تسريبات وتقارير، بنودًا دفاعية تتيح لكل طرف الرد عسكريًا في حال تعرّض الطرف الآخر لهجوم يهدد أمنه القومي. 

ورغم أن بنودها لم تُعلن كاملة، فإنها وُصفت حينها بأنها أوسع من أي اتفاق سابق بين البلدين، وتعيد إحياء التنسيق العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ في مواجهة النفوذ الغربي.

ويُشير توقيت تصريحات كيم إلى احتمال تفعيل المعاهدة في سياق الرد الروسي على الضربات الأوكرانية التي طالت العمق الروسي مؤخرًا، في ظل تعثر المسار الدبلوماسي وتصاعد التوترات مع حلف الناتو. 

ويعزز هذا السيناريو وجود إرادة مشتركة لتوسيع جبهة الرد على الدعم الغربي لكييف، لا سيما أن كوريا الشمالية سبق أن تورطت جزئيا في معارك محلية ضمن الحرب، بحسب ما أكده مسؤولون روس.

ويرى مراقبون أن تفعيل الاتفاق قد يُترجم إما بمشاركة كورية مباشرة عبر إرسال قوات أو منظومات دعم، أو بدعم غير مباشر عبر تزويد روسيا بأسلحة ومعدات في ظل العقوبات الغربية المتزايدة. 

وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن العالم يتجه نحو مزيد من الاستقطاب، حيث تتبلور محاور جديدة تتحدى منظومة الهيمنة الغربية التقليدية، خاصة أن روسيا تعزز حضورها في شرق آسيا، فيما تسعى كوريا الشمالية إلى كسر عزلتها الدولية عبر بوابة التحالف العسكري مع موسكو.

ورغم أن تفعيل المعاهدة لا يعني بالضرورة دخولًا مباشرًا في الحرب، إلا أن مجرد التلويح بها يشير إلى أن الصراع في أوكرانيا لم يعد محصورًا بين كييف وموسكو، بل بات ينعكس على التوازنات الدولية، ويمهد لتحالفات عسكرية جديدة قد تغيّر وجه الصراع.

طبيعة التحالفات الدولية

وعن دلالات تصريحات الزعيم الكوري الشمالي، أكد خبراء في الشؤون الروسية، أن تعهد كيم جونغ أون بدعم روسيا دون قيد أو شرط في الحرب ضد أوكرانيا يعكس تحولًا استراتيجيًا عميقًا في طبيعة التحالفات الدولية، ويمهّد لتفعيل محتمل لبنود اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين موسكو وبيونغ يانغ عام 2024. 

واعتبر الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الدعم الكوري الشمالي لا يقتصر على الموقف السياسي أو التصريحات الرمزية، بل يمتد إلى استعدادات ميدانية تشمل إرسال قوات أو دعم لوجستي، خاصة بعد مساهمة جنود كوريين شماليين في معارك بمقاطعة كورسك.

وأضاف الخبراء أن موسكو تنظر إلى هذا التحالف بوصفه ورقة ضغط استراتيجية في مواجهة تصعيد حلف الناتو وأوكرانيا، خصوصًا بعد استهداف العمق الروسي، ما يعزز الحاجة إلى شركاء قادرين على إرباك الخطط الغربية.

أخبار ذات علاقة

شويغو وزعيم كوريا الشمالية

زعيم كوريا الشمالية يتعهد بدعم غير مشروط لروسيا

 مواجهة الأخطار المشتركة

وبهذا السياق، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، د. سمير أيوب، إن العلاقات الروسية الكورية الشمالية، التي "تعمدت بالدم" في مقاطعة كورسك بعد مشاركة جنود كوريين شماليين في معارك تحريرها، تواصل تطورها اليوم على أسس تخدم الطرفين، خاصة في مواجهة الأخطار المشتركة.

وأكد أيوب، لـ"إرم نيوز"، أن هذا التطور يأتي في ضوء الزيارات المتبادلة بين المسؤولين من الجانبين، وآخرها زيارة وزير أمن الدولة الكوري الشمالي إلى موسكو الأسبوع الماضي، ولقائه عددًا من القادة الروس. 

وأضاف أن زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي إلى بيونغ يانغ قبل يومين تعكس استمرار هذا المسار التصاعدي، انطلاقًا من قناعة متزايدة بأن هذا التعاون يخدم مصالح البلدين في مواجهة الضغوط الأمريكية والأطلسية.

وأشار أيوب إلى أن روسيا باتت تشعر بحتمية تقوية موقعها في مواجهة الناتو، خاصة في ظل تعثر المفاوضات مع أوكرانيا، وتزايد وتيرة الهجمات على القواعد العسكرية الروسية، ورد موسكو المرتقب عليها، ما قد يقود إلى تصعيد أكبر.

توازن استراتيجي

وبحسب الخبير أيوب، فإن اجتماع الناتو الأخير أقر زيادة كبيرة في ميزانيته الدفاعية، ما يمثل تهديدًا مباشرًا لروسيا، ويفتح الباب أمام سباق تسلح متجدد، وأن وجود كوريا الشمالية، بما تمتلكه من قدرات عسكرية، يمثل عامل توازن استراتيجيا لصالح موسكو.

وحذر من أن التحالف الروسي - الكوري الشمالي، ومع احتمال انضمام الصين، قد يُسهم في كبح جماح بعض الأصوات الأوروبية التي تدفع نحو إطالة أمد الحرب عبر تسليح أوكرانيا بأسلحة ثقيلة وبعيدة المدى قد تستهدف العمق الروسي.

وأكد أيوب أن اتساع رقعة المواجهة بين روسيا والناتو على الأرض الأوكرانية يفرض على موسكو البحث عن حلفاء قادرين على دعمها، مثل كوريا الشمالية والصين، وربما إيران، في ظل تعثر الملف النووي الإيراني وتصاعد التوتر الأمريكي - الإيراني، ما يضع العالم على شفير مواجهة عسكرية شاملة.

ورأى أن المشهد العالمي يتجه نحو مزيد من التعقيد، محذرًا من أن عدم التوصل إلى اتفاق قريب مع أوكرانيا قد يدفع روسيا إلى توسيع عمليتها العسكرية، وربما استهداف مواقع استراتيجية في أوكرانيا يُعتقد أنها تشكل نقاط ارتكاز للناتو.

مواجهة واسعة

واعتبر أيوب أن أي تصعيد من هذا النوع قد يفتح الباب أمام مواجهة واسعة، في ظل غياب أفق سياسي حقيقي، مشيرًا إلى أن روسيا تسعى اليوم إلى تحقيق توازن عسكري عبر تحالفاتها، خاصة في ظل زيادة الإنفاق العسكري الغربي، في رسالة غربية واضحة بأن موسكو لا يمكنها مجابهة التحالف الغربي مجتمعًا.

وشدد على أن التعاون العسكري الروسي الكوري الشمالي يمنح روسيا ورقة استراتيجية جديدة، وربما يُمهّد لمرحلة متقدمة من العمليات في أوكرانيا، خاصة إذا قررت موسكو التوسع باتجاه خاركيف وأوديسا، وهي خطوات قد تتطلب دعمًا ميدانيًا من بيونغ يانغ.

من جانبه، قال مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديميتري بريجع، إن العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ لم تعد تقاربًا ظرفيًا، بل باتت تمثل محورًا استراتيجيًا يعكس تحولًا حقيقيًا في توازنات النظام الدولي.

وأضاف بريجع، لـ"إرم نيوز"، أن التعهد غير المشروط الذي أعلنه الزعيم الكوري كيم جونغ أون لصالح روسيا لا يمكن فصله عن تصاعد التوترات العالمية، ولا عن احتمالات تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك التي وُقعت عام 2024، في ظل إعادة تشكيل التحالفات الدولية.

أخبار ذات علاقة

قوات من جيش كوريا الشمالية

"ضمانا للسلام".. كوريا الشمالية تدافع عن تعاونها العسكري مع روسيا

 إرباك حسابات الناتو

وأوضح بريجع أن هذا التعهد الكوري يتجاوز الدعم الرمزي، ويمثل استعدادًا للمشاركة المباشرة، سواء بإرسال قوات، أو توريد أسلحة، أو حتى فتح جبهة سياسية وعسكرية تُربك حسابات الناتو وواشنطن.

ولفت إلى أن تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، التي شكر فيها بيونغ يانغ على مساهمتها في معارك كورسك، تؤكد أن التنسيق العسكري بين الجانبين تجاوز مرحلة التصريحات إلى التطبيق الفعلي.

وأشار بريجع إلى أن تطور المحور الروسي - الكوري قد يفرض مراجعة شاملة لفهم طبيعة الحرب في أوكرانيا، التي تحولت من مواجهة روسية - أوكرانية إلى صراع أوسع بين محورين عالميين، الأول تقوده واشنطن وبروكسل، والثاني يتشكل من موسكو وبيونغ يانغ، وربما بكين.

وشدد على أن تفعيل بنود المعاهدة الدفاعية يمنح موسكو مظلة قانونية وسياسية للرد على أي هجمات أوكرانية تستهدف الداخل الروسي، ما يُنذر باتساع نطاق الحرب، ويعيد إلى الأذهان ملامح الحرب الباردة.

ووفق بريجع، تستثمر موسكو في هذا التحالف لعدة أهداف، أبرزها إرسال رسالة إلى واشنطن بأنها ليست معزولة، وإرباك شرق آسيا، وتوفير بدائل عسكرية ولوجستية تعوض العقوبات الغربية.

في المقابل، ترى بيونغ يانغ أن هذا التحالف يمثل فرصة نادرة لإعادة تموضعها على الساحة الدولية، بعيدًا عن صورة الدولة المنبوذة، مستفيدة من مظلة الحماية الروسية ومكاسب التصدير العسكري، بحسب بريجع.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC