رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
في الأيام الأخيرة، بدا واضحًا أنّ طهران دخلت مرحلة جديدة من التوتر المدروس؛ مرحلة تُظهر فيها عجزها بقدر ما تكشف محاولاتها لاستعادة "توازن مفقود".
العقوبات الأمريكية التي استهدفت شبكات تصنيع المسيّرات التابعة للحرس الثوري الإيراني لم تكن مجرّد إجراء مالي أو قانوني؛ إذ كانت ضربة مباشرة في القلب التقني الذي بنى عليه الحرس جزءًا كبيرًا من سرديته العسكرية خلال السنوات الماضية.
وحين اهتزت هذه السردية، تحركت طهران بسرعة نحو الساحة الوحيدة التي تملك فيها هامش مناورة فعليًا حاليًا؛ وهو مضيق هرمز.
بالتزامن مع إعلان العقوبات الجديدة ذات الصلة بشبكات تصنيع المسيرات، نفّذ الحرس الثوري عملية إنزال على سفينة تجارية تحمل علم جزر مارشال في المضيق؛ في خطوة لم تحاول إيران حتى إخفاءها أو تغطيتها.
كانت العملية أقرب إلى استعراض قسري لعضلات بحرية تريد طهران من خلالها إيصال رسالة واحدة: إذا ضُربت قدرات المسيّرات، فسيتحوّل البحر إلى مساحة ابتزاز جديدة.
هذا الربط بين العقوبات والتصعيد البحري لا يمكن النظر إليه على أنه صدفة؛ فالحرس الثوري يدرك أنّ خسارته في ملف المسيّرات لا تقف عند الحدود التقنية فحسب، إنما تتعداها للجوانب السياسية أيضًا.
المسيّرات باتت بالنسبة لإيران جزءًا من الدبلوماسية الخشنة التي تستخدمها في الإقليم؛ وأيّ إعاقة لتصنيعها أو توريد مكوّناتها تعني انكشافًا جديدًا في شبكة نفوذ يعتمد عليها النظام الإيراني لتعويض ارتباكه الداخلي.
لذلك، كان الخيار البحري هو أسرع الطرق لتعويض الضربة؛ من خلال خطوة لا تحتاج إلى هندسة معقدة ولا إلى خطوط توريد، بل إلى قرار بمصادرة سفينة واحدة فقط كي يُعلَن عن "عودة استعراض الردع الإيراني".
ضجيج سياسي
مصادر دبلوماسية في الخارجية الأمريكية قالت في حديث خاص لـ"إرم نيوز" إن واشنطن تنظر إلى الخطوات الإيرانية الأخيرة في مضيق هرمز باعتبارها محاولة واضحة لخلق ضجيج سياسي لتعويض خسائر ملموسة في برنامج المسيّرات وشبكات التصنيع المرتبطة بالحرس الثوري.
وأضافت المصادر أنّ الولايات المتحدة تقرأ المصادرة البحرية الأخيرة كرسالة انفعالية من طهران بعد العقوبات الأخيرة؛ مشيرةً إلى أن السلوك الإيراني "يفتقد إلى الاستراتيجية الطويلة، ويعكس حالة ارتباك أكثر مما يعكس ثقة بالنفس".
وأوضحت أن واشنطن ترى هذا التلويح دليلاً إضافيًا على أن طهران لا تمتلك أدوات ضغط خارج إطار الابتزاز البحري المعروف.
وقالت المصادر في هذا السياق: "إيران تعاني من تآكل واضح في هوامش المناورة؛ العقوبات الأخيرة على قطاع المسيّرات أصابت نقطة حساسة للغاية داخل الحرس الثوري، ولهذا كان اللجوء السريع إلى المضيق بمثابة ردّ رمزي".
ونوهت إلى أنّ واشنطن تُقدّر أن النظام الإيراني يعرف جيدًا أن أي تصعيد حقيقي في المضيق سيُواجَه بردّ دولي واسع؛ ولذلك فإن خطواته تبدو محسوبة على مستوى الصورة فقط لا على مستوى الفعل.
وشرحت المصادر أنّ الإدارة الأمريكية تراقب بدقة مستوى التنسيق داخل مؤسسات القرار في طهران؛ لافتةً إلى أن التصعيد البحري لم يمرّ عبر مسار سياسي متماسك داخل النظام الإيراني، إنما اتُّخذ كخيار سريع لرفع منسوب الضجيج أمام الداخل والخارج.
وتابعت: "ما يقلقنا ليس الحادث بحد ذاته، ولكن الطريقة التي باتت فيها إيران تستخدم المضيق كمنصة لتحويل أزماتها الداخلية إلى ضغوط خارجية؛ هذه سياسة قصيرة النفس، لكنها شديدة الخطورة على حركة التجارة العالمية".
كما بيّنت أنّ واشنطن لا ترى في خطوات طهران مؤشراً على قوة، بل على حاجة ملحّة لتغذية سردية داخلية تُقنع جمهور النظام بأن الحرس ما زال يمسك بزمام المبادرة.
وختمت المصادر بالقول: "الواقع أنّ إيران اليوم أضعف ميدانياً وتقنياً مما كانت عليه قبل أشهر قليلة؛ وتصعيدها البحري محاولة لإخفاء هذه الحقيقة، لكن واشنطن لا تُخدع بهذه اللغة. ما نراه هو نظام يتصرف تحت ضغط وليس تحت استراتيجية".
قلق أوروبي
وقال مصدر أوروبي رفيع في بروكسل، مشارك في مشاورات تتعلق بالملف الإيراني، إنّ العواصم الأوروبية تنظر بقلق متزايد إلى الطريقة التي تستخدم بها طهران مضيق هرمز كأداة ردّ على الضغوط الاقتصادية؛ بدل التعامل مع جوهر المشكلة المتعلق بسلوك الحرس الثوري وشبكات التصنيع العسكري.
وأوضح المصدر خلال حديث لـ"إرم نيوز" أنّ التصعيد البحري الأخير لم يكن مفاجئًا تمامًا، لكنه جاء في توقيت يزيد من حدة التوتر؛ ويعكس رغبة إيرانية في تحويل الأنظار عن الضغوط التي تتعرض لها الصناعات المرتبطة بالمسيّرات، مشيرًا إلى أنّ أوروبا ترى في هذه الخطوات محاولة لخلق توازن مصطنع في لحظة تتعرض فيها طهران لمأزق داخلي وخارجي.
وأضاف المسؤول الأوروبي أنّ دول الاتحاد تتابع بدقة أثر العقوبات الأمريكية الأخيرة على قدرات الحرس الثوري؛ وأنّ التقديرات الأولية في بروكسل تشير إلى أن هذه العقوبات أصابت فعلاً مراكز حساسة في شبكات التمويل والتوريد، الأمر الذي يدفع طهران لتعويض هذا الضعف عبر رسائل بحرية عالية الصوت.
وقال المصدر: "بالنسبة لنا، المشكلة الأكبر تتمثل في الأسلوب الذي يجعل من الممرات البحرية رهينة كلما تعرّض النظام الإيراني لضغط سياسي أو اقتصادي؛ هذا غير مقبول أوروبياً، ويجعل أي عودة إلى مسار التفاوض أكثر تعقيدًا".
وبيّن المسؤول أن الأوروبيين لا يرون في الخطوات الإيرانية دليلاً على قوة، بل على انعدام ثقة واضح داخل مؤسسات القرار في طهران؛ مضيفًا أنّ "اللجوء إلى المضيق لا يحلّ أزمة المسيّرات، ولا يعالج الانقسام الداخلي بين مؤسسات النظام، لكنه قد يخلق توتراً إضافيًا في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم".
وتابع المصدر قائلاً: "هناك قناعة متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي بأن إيران تستبدل الحوار السياسي بـ تكتيكات الإزعاج البحري؛ هذا النهج يذكّرنا بالأنماط التي ظهرت في مراحل سابقة، حين تخلط طهران بين رسائل الداخل وتكتيكات الخارج".
وختم المصدر بالقول: "لدينا انطباع واضح أنّ إيران تتحرك تحت ضغط، وليس تحت خطّة؛ ومهما حاولت طهران أن تُظهر هذه التحركات كرسالة قوة، فإن العواصم الأوروبية تقرأها كإشارة على مأزق لا يزال يتعمّق".
مأزق طهران الداخلي
ويكشف المشهد الإيراني اليوم ملامح أزمة مركّبة تتجاوز ردة الفعل على العقوبات الأخيرة؛ فالتسارع بين ضربة تستهدف قطاعًا حساسًا كالمسيّرات، وهروب نحو المضيق، لا يعكس ثقة بقدر ما يعكس فقدانًا واضحًا للخيارات.
والمفارقة أنّ النظام الذي بنى جزءًا كبيرًا من قوته الإقليمية على فكرة "الردع المتعدد" يجد نفسه مضطراً إلى إعادة تدوير نفس الأدوات كلما ضاق به الداخل؛ وكأنّه عاجز عن إنتاج سياسة جديدة أو إعادة ضبط سلوك الحرس الثوري.
التوتر البحري يُمثّل نافذة تُظهر هشاشة غير مسبوقة في بنيان القرار الإيراني؛ وأيًا تكن الرسائل التي تسعى طهران إلى إرسالها عبر مصادرة السفن أو رفع مستوى الضجيج في هرمز، فإنّ الواقع الحالي يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أن النظام الإيراني يتحرك تحت وطأة الخوف من فقدان أدوات الضغط التي كانت تمنحه هامشًا واسعًا للمناورة.
وما دامت هذه الأدوات تتعرض للإنهاك، فإنّ السلوك الإيراني سيزداد انفعالًا، وسيتحول البحر إلى مسرح مكشوف لسياسة تبحث عن توازن مفقود، لا عن نفوذ مستقر.
لكن هذا النوع من الرسائل يكشف أكثر مما يستر؛ فالنظام الإيراني الذي يحاول أن يبدو قوياً عبر المضيق، يبدو في الحقيقة محاصَراً من جهتين؛ أولاً، عقوبات تُحاصر قدرته على تطوير المسيّرات وتحرمه من أحد أهم أدواته في مناطق النفوذ خارج الحدود، وثانياً، تراجع واضح في القدرة الاقتصادية الداخلية يجعله مضطراً إلى رفع مستوى التوتر كلما شعر بأن أوراقه الاستراتيجية بدأت تتآكل.
ومن هنا، يمكن قراءة التصعيد البحري الإيراني باعتباره رد فعل اضطراري؛ فالسلوك العسكري في المضيق لم يأتِ بعد تحول سياسي أو قرار استراتيجي طويل المدى، إنما جاء كردّ سريع ومباشر على لحظة ضغط محددة.
وكما جرت العادة، تستخدم طهران المضيق كأداة لتذكير العالم بأنّ الاقتصاد العالمي ما زال عرضة لهزّات إيرانية إذا ما اختار النظام ذلك؛ حتى وإن كان النظام نفسه أكثر هشاشة مما يحاول إظهاره.
من منظور سياسي، يكشف هذا الوضع عن مفارقة حادة؛ فإيران التي تريد أن تتعامل مع العقوبات باعتبارها "إجراءً لا يُخيفها"، بدت في المقابل كمن يستعجل الردّ لإثبات أنه ما زال يمتلك ما يمكن التهديد به.
والمفارقة الأكثر وضوحًا أنّ النظام الإيراني الذي يقدّم نفسه بوصفه "الممسك بزمام المبادرة" لا يجد أمامه اليوم سوى خيارات أعلى تكلفة وأقل فعالية؛ فمصادرة سفينة لا تغيّر موازين القوى، لكنها تكشف توتّراً داخليًا يصعب إخفاؤه.
عجز الحرس الثوري
ويعتبر مايكل ويتمن، الخبير في الشؤون الأمنية الإيرانية، خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أنّ التصعيد البحري الأخير من قبل النظام الإيراني ليس خطوة محسوبة بقدر ما هو "ردّ فعل ينتمي إلى سلوكيات الحرس الثوري حين يشعر بأنّ إحدى أدواته الأساسية قد ضُربت في العمق".
ويشرح أنّ العقوبات التي استهدفت شبكات تصنيع المسيّرات "لم تُصِب قطاعًا عسكريًا فقط، ولكنها أصابت أحد أهم مصادر النفوذ الاقتصادي والتقني للحرس؛ وهو نفوذ تراكم على مدى سنوات عبر شبكات غير رسمية تعتمد على التهريب والالتفاف على الرقابة الدولية".
وفي تقديره، فإنّ هذه الضربة أحدثت فراغًا سريعًا داخل بنية الردع الإيرانية، وهو ما دفع الحرس إلى التحرك نحو مضيق هرمز بوصفه الساحة الوحيدة التي لا يزال يمتلك فيها قدرة مباشرة على خلق اضطراب قابل للقياس.
ويحذّر ويتمن من أنّ هذا السلوك ينبع من قناعة لدى قادة الحرس بأنّ الحفاظ على صورة القوة لا يقلّ أهمية عن القوة نفسها، وأنّ أي تراجع في هذه الصورة ينعكس مباشرة على توازنات النفوذ داخل النظام الإيراني.
لذلك جاءت خطوة مصادرة السفينة في المضيق "كإشارة مضادة تهدف إلى القول إنّ إيران لم تفقد وزنها، وإنّ الحرس ما زال قادراً على إرباك المياه الدولية"، لكنه يشدّد في الوقت نفسه على أنّ هذا النوع من السلوك يكشف هشاشة واضحة، لأنّ النظام الإيراني لا يملك خيارًا آخر فعليًا غير هذه الأدوات المكلفة سياسيًا واقتصاديًا.
ووفق تقديره، فإنّ الانتقال السريع من الضغط على المسيّرات إلى التصعيد البحري يعني أنّ الحرس بات يعمل تحت ضغط زمني، ويخشى أن تتكرّر الضربات على القطاعات التي بُني عليها مشروعه الإقليمي.
ويضيف ويتمن أنّ أكثر ما يقلق دوائر المتابعة في الغرب أنّ إيران لم تعد تفصل بين ملفاتها الداخلية والخارجية؛ وأنّ أي ضيق اقتصادي أو تقني يتحوّل فورًا إلى تصعيد إقليمي، موضحًا أنّ هذا النمط يتزايد كلما ضاقت خيارات النظام وانحسرت قدرته على المناورة.
ويختم بالقول: "جوهر المشكلة اليوم أنّ الحرس الثوري لم يعد يملك أدوات متنوعة للرد، ولذلك فإنّ استخدام المضيق لم يعد خيارًا استراتيجيًا بل ملاذًا اضطراريًا؛ وهذا يعكس لحظة ضعف أكثر مما يعكس لحظة قوة".
تعويض الضعف النووي
من جانبها ترى إميليا كوفاتش، أستاذة دراسات الأمن النووي، في الخطوات الإيرانية الأخيرة محاولة واضحة لتعويض الانكشاف الذي ترتّب على إعلان طهران وقف التخصيب؛ وهو إعلان لم يُقنع العواصم الأوروبية بقدر ما أثار مزيدًا من الشكوك حول قدرة النظام على إدارة ملفه النووي تحت الضغط.
وتوضح الخبيرة خلال حديثها لـ"إرم نيوز" أنّ مسار الأحداث يكشف أنّ إيران لم تكن مستعدة للاعتراف بأنّ الضغوط التقنية على منشآتها وتراجع قدراتها على تأمين مكوّنات حساسة للمسيّرات قد أضعف موقعها التفاوضي؛ ولذلك اختارت طهران وفق تقديرها فتح ساحة موازية عبر المضيق.
وتعتبر كوفاتش أنّ أوروبا تنظر إلى التصعيد البحري الإيراني باعتباره "خطوة قصيرة النفس تهدف إلى خلق انطباع بأنّ إيران ما زالت تمتلك أدوات ردّ فعّالة"، لكن هذا الانطباع برأيها "يتآكل كلما تبين أن النظام يتحرك بردود فعل وليس بخطط مدروسة".
وتشرح أنّ توقف التخصيب لم يُقرأ في العواصم الأوروبية كإشارة نوايا جيدة، وإنما كإشارة تعب تكشف اضطرابًا داخل البنية التقنية للمنشآت النووية.
وتشير إلى أنّ صور الأقمار الاصطناعية التي رُصدت حديثًا حول نشاطات بناء قرب مواقع نووية تؤكد وجود محاولة إيرانية لإعادة التمركز لا أكثر؛ وهي محاولة تأتي في سياق محاولة كسب الوقت وبناء منشآت احتياطية يمكن استخدامها حين تستعيد طهران قدرتها على الالتفاف التقني.
وتضيف أنّ أوروبا ترى أنّ رفع مستوى التوتر في مضيق هرمز يأتي في توقيت يزيد من هشاشة النظام الإيراني؛ موضحة أنّ العواصم الأوروبية باتت مقتنعة بأنّ الحرس الثوري "يتعامل مع المضيق كأداة تفاوضية وليس كمساحة أمنية".
وتشدد على أنّ هذا الاستخدام المتكرر للممرات الحيوية يقوّض أي مسار دبلوماسي جدي؛ ويجعل العودة إلى المفاوضات حول الملف النووي أكثر صعوبة، لأنّ أوروبا "ترفض أن يصبح أمن الطاقة رهينة كلما واجهت إيران ضغوطًا اقتصادية".
وتختم كوفاتش بالقول: "ما نراه اليوم هو نظام يفتقر إلى الاستقرار الاستراتيجي، يبحث عن أي نافذة لإثبات أنه لم يفقد توازنه؛ التصعيد البحري علامة على أنّ الخيارات المتاحة أمام طهران أصبحت ضيقة ومكشوفة أمام الجميع".