تشهد المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن النووي جمودا كاملا، وسط تحذيرات دبلوماسية من اقتراب لحظة الحسم، وسط وضعية جدلية ما بين وضوح مسار الملفات الشائكة المتعلقة بالبرنامج "الصاروخي" والملف النووي، أو انسداد الطرق لتكون الضربة الأمريكية الإسرائيلية "حتمية".
وتريد واشنطن اتفاقا يقيّد البرنامج النووي والقدرات الصاروخية الإيرانية ويحد من نفوذ طهران الإقليمي عبر الميليشيات، بينما تصر إيران على حصر التفاوض في الملف النووي فقط؛ ما يجعل احتمالات الحل الدبلوماسي ضعيفة في المدى القريب.
وفي هذا السياق، تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في بروكسل إن ترامب يريد أن يعدد مظاهر محاولات التفاوض والوصول إلى حل سلمي عبر وساطات عربية وأوروبية، حتى لا تكون “المظلة” التي ستُنفّذ من خلالها الضربة على إيران "مثقوبة"؛ وهو ما يستنزف مهلًا زمنية دفعت بالعملية العسكرية المقررة منذ الصيف الماضي إلى وقت غير معلوم.
وأوضحت المصادر في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن التجهيزات العسكرية للولايات المتحدة وإسرائيل لضرب إيران بما يتجاوز نتائج "حرب الـ12 يوما" باتت جاهزة، وبالطبع فإن "تقرير الحالة" للداخل الإيراني واضح أمام واشنطن وتل أبيب، في ظل الاختراقات “التجسسية” التي لا تزال طهران عاجزة عن التعامل معها بشكل حقيقي حتى الآن، نظرا لتغلغلها في مواقع حساسة ومهمة.
وأضافت المصادر أن ترامب يريد أن تكون المظلة التي سيتحرك تحتها في حال توجيه ضربة عسكرية لإيران "سميكة"، وأن تقوم على حماية الأمن الإقليمي والدولي، بحيث لا يظهر هو وإسرائيل في صورة "المعتدي".
وأشارت إلى أن ما يريده ترامب يتحقق من خلال استغلال كل ما تعلنه إيران حول رفض التفاوض ووضع العراقيل، والتأكيد على أن البرنامج النووي لن يكون موضوعا للمباحثات، إلى جانب التقارير الدولية التي تشير إلى استمرار طهران في تطوير قدراتها الصاروخية بما يمكّنها من الوصول إلى قلب تل أبيب، بحيث يبدو ترامب كمن استنفد كل محاولات منع الحرب، فيما الإيرانيون هم من يرفضون السلام أو الاتفاق.
ويأتي ذلك تزامنا مع تأكيد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مؤخرا أن حق بلاده في تخصيب اليورانيوم "غير قابل للتفاوض"، مشددا على أن الولايات المتحدة هي من انسحبت من الاتفاق النووي، بينما التزمت طهران بتعهداتها ما دام الطرف الآخر ملتزما بها.
وفي الوقت نفسه، قال سعيد خطيب زاده، مساعد وزير الخارجية الإيراني، إن أي مفاوضات محتملة مع الولايات المتحدة لن تكون "تقليدية"، بل ستكون "مفاوضات مسلّحة"، لافتا إلى أن الحكومة الإيرانية بذلت كل جهد ممكن لمنع الحرب والتصعيد قبل الهجمات الأخيرة، لكن ما حدث كان نتيجة "توهم وانحرافات إدراكية" لدى الطرف المقابل، الذي حاول ـ بحسب وصفه ـ توظيف "دبلوماسية العرض المسرحي" لتحقيق أهدافه السياسية.
من جانبه، يرى الخبير الاستراتيجي الدكتور محمد صالح الحربي أنه من الصعب الجزم بحتمية الحرب، لكن عام 2025 يمثل عاما مفصليا ونقطة تحول في الملف النووي الإيراني، مع تقدم البرنامج نحو مستويات حساسة من التخصيب، ومع الضغوط الأمريكية المتزايدة.
وأكد الحربي لـ"إرم نيوز" أن جمود المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران دخل حالة "توقف تام"، بسبب إصرار إيران على ضمانات ضد انسحاب أمريكي مستقبلي، ورفضها إدراج ملفات الصواريخ والنفوذ الإقليمي.
وبيّن أن الضربات الأمريكية السابقة على المنشآت النووية كانت تهدف إلى فرض "السلام بالقوة"، لكنها تزيد من احتمالات التصعيد الإقليمي، وأن المشهد الحالي يعكس معادلة معقدة بين الضغط العسكري الأمريكي والتمسك الإيراني بالنووي والصواريخ.
وبحسب الحربي، فإن واشنطن تريد اتفاقًا يقيّد البرنامج النووي ويحد من نفوذ إيران الإقليمي، فيما تصر طهران على حصر التفاوض في النووي فقط، وهو ما يقلل فرص الحل الدبلوماسي في المدى المنظور.
في المقابل، يوضح الباحث في مركز ستاندرد للدراسات والأبحاث والمختص بالشأن الإيراني، الدكتور فرهاد دزه يي، أن تجهيزات المفاوضات لم تتوقف، لكنها تمر بمرحلة "إعادة تموضع"، مشيرا إلى أن قنوات الاتصال لا تزال مفتوحة عبر دولتين عربيتين تقومان بدور الوساطة وبحث المطالب المتبادلة بين واشنطن وطهران.
وأضاف دزه يي لـ"إرم نيوز" أن تصريحات إيران حول عدم وجود مجال للمفاوضات وعدم قبول أي تفاوض يمس البرنامج النووي ليست سوى محاولة لتعزيز موقفها بعد فوز أذرعها في الانتخابات العراقية بما يصل إلى 176 مقعدا؛ ما جعلها تتصور إمكانية فرض جانب من شروطها.
وتابع أن طهران تكرر مشاهد ربطت فيها مرارا بين المشهد السياسي والانتخابي في العراق ومسار المفاوضات مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لافتا إلى أن الإيرانيين حاضرون في مباحثات غير مباشرة.
وختم دزه يي بالإشارة إلى أن حتمية الحرب في الوقت الراهن تتعلق بعدة اعتبارات، من بينها انشغال الولايات المتحدة بملف فنزويلا، والبحث عن صيغة تُظهر إيران كطرف غير متعاون، فضلًا عن تقييم ما يمكن أن تفعله العقوبات الجديدة التي فُرضت ضمن “الضغط الأقصى”.