مدير منظمة الصحة العالمية يدعو إسرائيل إلى وقف "كارثة" المجاعة في غزة
اعتبر محللون سياسيون فرنسيون، أنه مع اقتراب موعد خطاب السياسة العامة لرئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، تزداد التكهنات حول استراتيجيته لتجنب مصير مشابه لما حدث مع ميشيل بارنييه في ديسمبر الماضي، حين واجه أزمة حجب الثقة بسبب سياساته المثيرة للجدل.
ورأى المحللون، أنه بين تحديات إصلاح نظام التقاعد وضغوط المعارضة المتنوعة، يواجه بايرو اختبارًا حاسمًا لقدرته على قيادة حكومة متماسكة، معتبرين أن نجاحه في هذا التحدي يتوقف على مهارته في إدارة التوازنات السياسية والمالية، والتزامه بتقديم حلول واقعية تخاطب مخاوف مختلف الأطراف.
وقالت كلير دومونت، خبيرة في العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية بباريس، إن محاولة فرانسوا بايرو التفاوض مع الأحزاب المعارضة بشأن تعليق مؤقت لإصلاح التقاعد تعكس "براعة سياسية تهدف إلى كسب الوقت".
وأضافت دومونت لـ"إرم نيوز" أن "الاستراتيجية تعتمد على منح المعارضة مبررًا لتأجيل المواجهة، لكن الخطر يكمن في أن هذا التعليق المؤقت قد يفسر كضعف سياسي، خاصة من قبل حزب فرنسا الأبية الذي ينتقد بشدة أي تنازل من اليسار المعتدل."
وأشارت دومونت إلى أن إدارة هذه المرحلة تتطلب من بايرو ليس فقط تقديم تنازلات، ولكن أيضًا الحفاظ على تماسك الأغلبية البرلمانية التي قد ترى في هذا التوجه نوعًا من التراجع عن الالتزامات الإصلاحية للحكومة.
من جهته، قال جان باتيست لوكلير، الخبير الاقتصادي والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية إن الجانب المالي من استراتيجية بايرو يشكل "التحدي الأكبر"، خاصة في ظل العجز الكبير الذي تواجهه الموازنة العامة.
وأوضح لوكلير لـ"إرم نيوز": "تعليق الإصلاح لمدة ستة أشهر يعني تكبد الحكومة خسائر مالية تُقدَّر بمليارات اليوروهات، وهو ما يتعارض مع خطتها لتوفير 50 مليار يورو في موازنة 2025. والتحدي يكمن في إيجاد مصادر تمويل بديلة دون إثارة غضب الطبقة المتوسطة أو النقابات".
وأضاف لوكلير أن استرضاء المعارضة من خلال تقديم تنازلات على حساب الإصلاحات الاقتصادية قد يُضعف الثقة بقدرة الحكومة على تحقيق الأهداف المالية، مما قد يؤدي إلى "تقويض استقرار الحكومة على المدى الطويل".
ملف إصلاح نظام التقاعد
ويبدو أن الإصلاح التدريجي لنظام التقاعد، الذي يرفع سن التقاعد إلى 64 عامًا، سيكون المحور الرئيس في النقاش السياسي. تعرضت هذه الخطوة لانتقادات حادة من المعارضة اليسارية بقيادة حزب "فرنسا الأبية، بالإضافة إلى امتعاض اليمين المتطرف الذي يعتبر الإصلاح غير كافٍ.
لذلك، يسعى بايرو إلى طرح خارطة طريق مرنة تركز على إعادة التفاوض بشأن الإصلاحات، بما يشمل: تعليق تطبيق سن التقاعد الجديد لمدة ستة أشهر، كإجراء مؤقت يسمح بمزيد من النقاش مع النقابات والبرلمان، وأيضاً مراعاة ظروف العمل الشاق والوظائف غير المستقرة، وهي قضايا أثارت غضب النقابات في الإصلاحات السابقة.
ويعتمد بايرو بشكل كبير على كسب دعم الأحزاب اليسارية المعتدلة مثل الحزب الاشتراكي. وفي تصريح مثير، قال باتريك كانير، رئيس الكتلة الاشتراكية في مجلس الشيوخ: "إذا استجاب رئيس الوزراء لمطالبنا، وخاصة تعليق سن التقاعد، فلن نصوت لصالح حجب الثقة".
لكن هذه الخطوة أثارت غضب حزب "فرنسا الأبية"، حيث وصف جان لوك ميلونشون الأمر بأنه "خيانة" للبرنامج الانتخابي اليساري الموحد.
وعلى عكس بارنييه الذي اعتمد أسلوبًا أكثر صدامية مع المعارضة، يظهر بايرو رغبة في تبني نهج أكثر تصالحية. حيث يعمل على بناء جسور حوار مع الأحزاب السياسية المختلفة، بما في ذلك: تقديم تنازلات حول ملف الموازنة العامة لعام 2025، وضمان عدم تجاهل النقابات العمالية في النقاشات، والتعهد بعدم المساس بارتباط المعاشات بمعدلات التضخم، وهو مطلب جوهري لليمين المتطرف.
من المتوقع أن يقدم بايرو خطة مالية محكمة تهدف إلى توفير حوالي 50 مليار يورو في موازنة 2025 دون المساس بالبرامج الاجتماعية.
ووفقًا لتقارير اقتصادية، فإن تكلفة إلغاء إصلاح التقاعد ستصل إلى 16 مليار يورو بحلول عام 2032، وهو ما يدفع بايرو إلى تجنب أي وعود لا يمكن تحقيقها ماليًا.
وتعتمد خطة بايرو على صياغة توافق سياسي من شأنه أن يحمي حكومته من التصويت بحجب الثقة. ورغم أن بعض التنازلات قد تثير استياء الأطراف اليمينية واليسارية المتشددة، إلا أن رهانه الرئيس يكمن في دعم المعتدلين لتجنب أي أزمة سياسية جديدة.