قالت صحيفة "بوليتيكو" إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عاش خلال هذا الأسبوع "خنوعًا كبيرًا" لأول مرة منذ عودته القوية إلى البيت الأبيض مطلع العام.
وشهدت الأشهر الأولى من ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، بحسب الصحيفة الأمريكية، استعراضات قوة مبهرة استهدفت أركان السلطة المؤسسية، من تحييد الشركات الكبرى، وإجبار شركات المحاماة المرموقة والجامعات المرموقة على التوسل، إلى إجبار بعض أقدم حلفاء واشنطن العالميين على الخضوع.
وبعد ساعات فقط من حثّه المستثمرين والناخبين المذعورين على "الهدوء"، ومضاعفة حربه التجارية العالمية أربع مرات، تراجع ترامب فجأة عن مساره يوم الأربعاء، موقفًا بعض تعريفاته الجمركية الشاملة لمدة 90 يومًا.
وبعد ساعات أخرى، اضطر رئيس مجلس النواب مايك جونسون إلى سحب تصويت حاسم على الميزانية بسبب تمرد المحافظين.
كانت هذه ضربة مزدوجة صادمة تهاجم الرواية التي أحاطت بترامب منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهي أنه عملاق سياسي قادر على التجاوز على حزبه وما وراءه لتحقيق أهدافه في كل شيء، من السياسة الاقتصادية إلى اختياره لوزراء حكومته.
لكن يوم الأربعاء، أقرّ ترامب ضمنيًا بوجود ضوابط على سلطته: الأسواق.
فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، كان التراجع مفاجئًا وغير مفاجئ في آن، بحسب تعبير "بوليتيكو"، فبعد أسبوع من اضطرابات السوق التي امتدت من الأسهم إلى السندات الحكومية، تراجع ترامب أخيرًا بعد أيام من إصراره على عدم وجود أي تأخير، وعلى أن العالم يجب أن يستعد لحرب تجارية عالمية طويلة وضارية.
وقال ترامب أمام تجمع للنواب الجمهوريين في مجلس النواب مساء الثلاثاء: "أعرف تمامًا ما أفعله"، متفاخرًا بأن الدول "تتملقني" لمحاولة عقد صفقات تجارية.
بعد وقوع الكارثة، شعر ترامب نفسه، بالقلق إزاء الانخفاض الحاد في أسعار سندات الخزانة الأمريكية، معترفًا، وهو أمر اعتراف نادر، بأنه يهتم كثيرًا بآراء الآخرين.
ولم يكن القلق ينتاب الآخرين فقط، فبحسب مصادر "بوليتيكو" من داخل البيت الأبيض، فإن القلق كان من انتشار الذعر إلى السندات الحكومية، التي تُعتبر عادة ملاذًا آمنًا خلال التقلبات الاقتصادية، وهو بالضبط ما دفع ترامب إلى تغيير رأيه تمامًا.
لم يكن التراجع الذي حدث يوم الأربعاء وحده هو ما كشف عن ثغرات في درع ترامب السياسي، بل كان الأسبوع بأكمله من العناوين الرئيسة الذي سبقه.
بدأ التحالف الواسع والمثير للإعجاب الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض بالتفكك مع تقييم مؤيدي "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" للرسوم الجمركية الصادمة.
ثم الانتقادات اللاذعة التي وجهها حلفاء ترامب في وادي السيليكون ووول ستريت، بمن فيهم العديد ممن كانوا يعارضون علنًا تبنيه المطلق للحمائية.
حتى إيلون ماسك، أبرز مستشاري ترامب، حاول، بحسب التقارير، إقناعه بالتراجع عن هوسه بالرسوم الجمركية، ثم هاجم علنًا كبير مستشاري ترامب التجاريين، بيتر نافارو، واصفًا إياه بأنه "أغبى من كيس من الطوب".
حذّر بيل أكمان، المؤيد العلني وقطب صناديق التحوّط، ترامب من "شتاء اقتصادي نووي مفتعل ذاتيًا"، واتهم وزير التجارة هوارد لوتنيك بالاستفادة من اقتصاد سيء.
وامتدّ الاستياء حتى إلى مُقدّمي البودكاست الذين ساعدوا ترامب في التواصل مع حشد من الشباب خلال حملة 2024، بمن فيهم ديفيد بورتنوي من "بارستول سبورتس"، الذي ادّعى خسارته 20 مليون دولار بعد فرض ترامب رسومه الجمركية الأخيرة، ووصفها بن شابيرو من "ديلي واير" بأنها "أسوأ عملية طرح ممكنة".
كما امتد القلق إلى الجناح الفكري الشعبوي في سماء حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
أرسل أورين كاس، الخبير الاقتصادي المؤيد للرسوم الجمركية، والذي تربطه علاقات وثيقة بنائب الرئيس جيه دي فانس، تحذيرًا إلى ترامب في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز يوم الثلاثاء.
وبينما أيد كاس الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها الرئيس بنسبة 10%، جادل بأن الإدارة تتسرع في سنّ الرسوم "التبادلية" الإضافية التي قد تُحدث "فوضى عارمة" في سلاسل التوريد.
تضاعفت صورة فقدان ترامب السيطرة في مبنى الكابيتول، حيث يبدو أن قبضة الرئيس الخانقة على حزبه قد تضاءلت.
انضم عدد كاف من الجمهوريين إلى الديمقراطيين للموافقة على إجراء في مجلس الشيوخ من شأنه إلغاء رسوم ترامب الجمركية على كندا، ثم شارك سبعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، في رعاية تشريع يحرم ترامب من سلطة فرض الرسوم الجمركية دون موافقة الكونغرس.
وبالمحصلة، وبعد كل تلك الفوضى، أظهر استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك ونُشر يوم الأربعاء أن الأمريكيين متشككون على نطاق واسع في حملة ترامب للرسوم الجمركية.
كما أظهر استطلاع جديد أجرته مجلة الإيكونوميست ارتفاعًا بمقدار خمس نقاط في عدم التأييد لأداء ترامب الوظيفي، ليصل إلى 51%، بعد إعلان الأسبوع الماضي.