بينما يتصاعد التوتر في الشرق الأوسط بعد الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، أطلق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اليوم تحذيرًا غير مباشر من أن رد طهران قد لا يقتصر على إسرائيل وحدها، متهمًا واشنطن بالتواطؤ في الهجمات.
تصريحات عراقجي تأتي بينما يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في موقف حرج، بين رغبته في تجنّب حرب إقليمية شاملة وبين تحالفه الاستراتيجي العميق مع إسرائيل، بحسب ما علقت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
ورأت الصحيفة أن هذا المأزق يضع "صانع السلام" المعلن أمام أكثر اختبارات ولايته الثانية خطرًا، وقد يُفجّر مواجهة تتجاوز إسرائيل وإيران نحو استهداف مصالح بلاده مباشرة في المنطقة.
ففي وقت متأخر من مساء الخميس، أصدر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بيانًا مقتضبًا وصارمًا، فيما كان العالم يترقب أول تعليق من الرئيس ترامب على الضربات الإسرائيلية الواسعة التي استهدفت طهران.
رد فعل ماركو روبيو أزعج بنيامين نتنياهو، الذي قوّض، بإطلاقه هذه العملية، الجهود الدبلوماسية المبذولة مع طهران بشأن برنامجها النووي.
بحسب العديد من السياسيين بينهم السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، على سبيل المثال، الذي كتب على موقع "إكس": ليس علينا أي التزام باللحاق بإسرائيل في حرب لم نطلبها، ما سيجعلنا أقل أمنًا"، فيما ندد زميله جاك ريد بـ "التصعيد المتهور الذي يُنذر بالعنف الإقليمي".
رغم أن الضربات الإسرائيلية وُصفت بأنها "أحادية الجانب" من قبل ماركو روبيو، إلا أن ترامب لم يُخفِ وجود دعم غير مباشر وموافقة ضمنية من واشنطن، سواء في السابق أم في المستقبل.
وقال محذرًا: الولايات المتحدة تصنع أقوى الأسلحة في العالم بفارق كبير، إسرائيل تمتلك الكثير منها، وهناك المزيد في الطريق، وهم يعرفون كيف يستخدمونها".
وفي مقابلة لاحقة مع قناة "إيه بي سي نيوز"، وصف ترامب الهجوم الإسرائيلي بـ"الممتاز"، بينما نقل موقع أكسيوس عن مصادر إسرائيلية أن تل أبيب نسّقت بدقة مع واشنطن، حتى إن أظهر ترامب مرارًا وعلنًا تحفظه على ضرب إيران.
وكان من المقرر أن تُعقد الجولة السادسة من المحادثات اليوم، الأحد، في سلطنة عمان، في محاولة للتوصل إلى صيغة تضبط برنامج إيران النووي مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، نسخة معدّلة من اتفاق فيينا لعام 2015، الذي انسحب منه ترامب شخصيًا عام 2018 بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو قرار يعتبره كثير من الخبراء اليوم خطأً استراتيجيًا قاتلًا.
وحذّر السيناتور مورفي: "إيران لم تكن لتقترب بهذا الشكل من حيازة سلاح نووي، لولا انسحاب ترامب ونتنياهو من الاتفاق، هذه كارثة من صنعهما، والمنطقة اليوم على حافة حرب مدمّرة جديدة".
لكن مع استهداف منشآت نطنز وتبريز وطهران – ومقتل مسؤولين عسكريين وعلماء بارزين – انهارت الجهود الدبلوماسية الهشة التي أطلقتها إدارة ترامب.
كذلك في طهران، اعتُبر مقتل علي شمخاني – أحد أبرز مستشاري المرشد الأعلى والمعروف على نطاق واسع في الأوساط الدبلوماسية الغربية – بمنزلة إعلان واضح من إسرائيل عن رفضها لأي مسار تفاوضي.
وقال الباحث علي واعظ من "مجموعة الأزمات الدولية": نتنياهو فجّر دبلوماسية ترامب مع إيران، ما سيُقدم عليه ترامب الآن سيُحدد إن كانت ولايته الثانية ستُستهلك في حرب جديدة بالشرق الأوسط أم لا".
وفي الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى ترسيخ صورته كـ"صانع سلام"، في مواجهة الرئيس السابق جو بايدن "المحارب"، يجد نفسه عالقًا في صراع يحمل بصمته السياسية، خصوصًا أنه كان من أشعل فتيل التصعيد بانسحابه من اتفاق فيينا.
فترامب، الذي افتتح ولايته الثانية بتصريحات عن "إنهاء الحروب لا خوضها"، بات أمام اختبار هو الأخطر على صورته وشرعيته، وقد يُطيح نهائيًا بـ"أسطورة صانع السلام".