رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
يواجه العالم مفترق طرق حاسماً في مجال ضبط التسلح النووي، خاصة أن معاهدة "نيو ستارت"، التي تمثل آخر اتفاقية قائمة للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا، تقترب من نهاية أجلها في 5 فبراير/شباط 2026.
وفي خضم هذا الوضع الحرج، قدمت موسكو مقترحاً لتمديد القيود النووية لمدة عام إضافي، فيما تتخذ واشنطن موقفاً حذراً، وتكتفي بدراسة المقترح دون اتخاذ قرار حاسم حتى الآن.
وتُعد معاهدة "نيو ستارت" – التي دخلت حيز التنفيذ العام 2010 – حجر الزاوية في منظومة ضبط التسلح النووي العالمي، إذ تضع سقفاً صارماً يحدد عدد الرؤوس النووية الإستراتيجية المنتشرة بـ1550 رأساً نووياً لكل من الطرفين، إضافةً إلى 700 منصة إطلاق إستراتيجية.
لكن في السنوات الأخيرة، شهدت المعاهدة تدهوراً ملحوظاً، خاصةً، في فبراير/شباط 2023، بعد إعلان روسيا تعليق مشاركتها فيها رداً على الدعم الغربي لأوكرانيا، رغم تأكيد موسكو استمرار التزامها بالحدود العددية للرؤوس النووية.
في 22 سبتمبر/أيلول 2025، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المجتمع الدولي بإعلانه استعداد روسيا لمواصلة الالتزام بالقيود المركزية لمعاهدة "نيو ستارت" لمدة عام إضافي بعد انتهاء أجلها، لكن عرضه جاء مشروطاً بشرط أساس يتمثل في أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً مماثلاً وتلتزم بالقيود نفسها.
ومنذ إعلان مقترح بوتين، اتسم الموقف الأمريكي بالحذر والتردد. ففي البداية، أبدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت ترحيباً حذراً، ووصفت المقترح بأنه "يبدو جيداً جداً"، بينما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أكتوبر/تشرين الأول، أن "الفكرة تبدو جيدة"، غير أن هذه التصريحات الإيجابية الأولية لم تتحول إلى موقف رسمي واضح.
وقبل أيام، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن واشنطن أبلغت موسكو عبر القنوات الدبلوماسية بأنها تدرس مقترح تمديد القيود النووية، لكنها لم تقدم رداً جوهرياً بعد.
ويرى الخبراء أن العالم يشهد تحولاً واسعاً في موازين القوى عقب الحرب الأوكرانية، مع تراجع الأحلاف القديمة وصعود نظام دولي "متعدد الأقطاب" تتقدمه الولايات المتحدة وروسيا والصين.
ورأى خبير العلاقات الدولية د. "عبد المسيح الشامي"، أن العالم يشهد، اليوم، تحولاً كبيراً في موازين القوى الدولية، فرضته الحرب الأوكرانية وما نتج عنها من تبدل في المعادلات السياسية والتحالفات الدولية، إلى جانب تخلخل الأحلاف القديمة، وتفكك الكتلة الغربية «بشكل أو بآخر».
وأشار الشامي في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إلى أن "الولايات المتحدة تميل في الوقت الراهن إلى التقارب مع روسيا أكثر من أوروبا، بالتزامن مع صعود الصين وهيمنة الاقتصاد على السياسة، بعدما كانت السياسة هي التي تقود الاقتصاد، وأصبح الاقتصاد، اليوم، هو المحرك الرئيس للسياسة".
وأضاف أن "هذا التحول العميق أفرز معادلات جديدة لموازين القوى، في وقت تسعى فيه الدول الكبرى إلى حجز موقعها في عالم متعدد الأقطاب، لا سيما روسيا، والولايات المتحدة، والصين، والهند، وهي دول تتجه إلى التملص من المعاهدات والقيود التي كانت جزءاً من مرحلة سابقة تختلف موازينها عن الحاضر".
وأوضح أن الحرب الأوكرانية فرضت واقعاً جديداً أعاد العالم إلى حقبة "لغة القوة"، الأمر الذي دفع الدول إلى إلغاء بعض الاتفاقيات، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا، مشيراً إلى أن الحديث، اليوم، لا يتعلق فقط بتمديد اتفاقية "نيو ستارت"، لأن الهدف الفعلي هو إعادة صياغة معادلة جديدة تتوافق مع واقع ما بعد الحرب.
ويرى الشامي، أن معاهدة "نيو ستارت" لم تعد مرضية لأي من الطرفين، وقد عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ذلك صراحة حين تحدث عن إمكانية إجراء اختبارات نووية جديدة، وهو ما قابله رد مماثل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولفت إلى أن التنافس بين الطرفين لم يعد من منطلق "العداء التقليدي"، بل يميل نحو "التفاهم المرحلي"، إذ لا يرغب أي منهما في الدخول في مواجهة مباشرة.
وقال إن تمديد الاتفاقية لفترة قصيرة سيكون تمهيداً لإطلاق مفاوضات حول معاهدة نووية جديدة تواكب المعطيات الراهنة، وتمنح الجانبين مساحة أوسع في البحث والتطوير العسكري.
أما مدير شبكة "الجيوستراتيجي" للدراسات إبراهيم كابان، فقال إن التهديد باستخدام السلاح النووي يُعد "أداة إستراتيجية" تستخدمها الدول الكبرى لتعزيز حضورها في الملفات الحساسة، مشيراً إلى أن روسيا كثيراً ما تلجأ إلى هذا الأسلوب كما تفعل كوريا الشمالية "لأغراض الردع وحماية الذات".
وأشار كابان في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" إلى أن :موسكو، التي تخوض حرباً طويلة في أوكرانيا، تحاول البقاء في مناطق إستراتيجية من البلاد وتقديم نفسها كطرف مظلوم، ما يدفعها إلى استخدام ورقة التهديد النووي لكسب الزخم الدولي".
وأضاف أن الولايات المتحدة تتعامل "بذكاء كبير" مع هذا الملف، وتسعى إلى ضبط الإيقاع عبر أدوات محددة، خاصة فيما يتعلق باتفاقية "نيو ستارت"، مع تجنب التصعيد المباشر.
وأشار إلى أن "روسيا تعمل بدورها على تعزيز قدراتها العسكرية من خلال تطوير القواعد وحشد الجيوش وبناء مصانع للأسلحة الثقيلة، وقد تتجه أوروبا إلى تطوير صناعاتها الدفاعية الخاصة، لا سيما مع امتلاك دول، مثل بريطانيا وفرنسا، قدرات نووية كبيرة".
وأكد كابان أن المرحلة الراهنة تستوجب "ضبط المنظومة النووية بالكامل"، والابتعاد عن التهديدات، خاصة في سياق الأزمة الأوكرانية التي تظل أحد أخطر الملفات الأمنية عالمياً.
من جانبه، قال عضو مجلس الشرق الأوسط للسياسات في واشنطن ماركو مسعد، إن "معاهدة الحد من الأسلحة النووية نيو ستارت تحولت إلى ورقة ضغط تستخدمها الولايات المتحدة ضد روسيا لدفعها إلى العودة للمفاوضات، ووقف النارإطلاق في أوكرانيا".
ورأى في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن واشنطن لا تسعى إلى إلغاء المعاهدة أو العودة إلى سباق التسلح، مؤكداً أن ذلك يتعارض مع أجندة "أمريكا أولاً"، كما أنه سيُطلق سباق تسلح جديداً بين القوى الكبرى، بدءاً من الولايات المتحدة مروراً بروسيا وصولاً إلى الصين.
وأشار إلى أن أي سباق تسلح جديد سيُثقل كاهل الميزانية الأمريكية، لأن الإدارة ستضطر إلى توجيه مليارات الدولارات إلى الإنفاق العسكري على حساب المشاريع الاقتصادية، والاستثمارات، والبنية التحتية، وهو ما سيقوّض شعار "أمريكا أولاً" الذي ترفعه الإدارة الحالية.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى للظهور بمظهر "رجل السلام"، لافتاً إلى أن علاقاته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تدفعه مستقبلاً إلى إحياء المفاوضات النووية من جديد ضمن سعيه إلى تحقيق توازن في العلاقات الدولية.
وأشار مسعد، إلى أن تلويح واشنطن بالتقارير الاستخباراتية حول الموقف الروسي يدخل ضمن "سياسة الضغط الذكي" التي تقوم على مبدأ "السلام من خلال القوة"، عبر استعراض القدرات النووية والعسكرية لإجبار موسكو على العودة إلى طاولة المفاوضات، وإنهاء الحرب في أوكرانيا.