logo
العالم

"بوسيدون" يواجه "نيو ستارت 3".. سباق التسلح النووي يستيقظ من جديد

قاذفة صواريخ باليستية روسية من طراز "يارس"المصدر: أ ف ب

خلال تكريمه مطوري الطربيد النووي "بوسيدون" وصاروخ "يوريفيستنيك"، حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على توجيه رسائل سياسية واستراتيجية أساسية للولايات المتحدة الأمريكية ولأوروبا. 

واعتبر بوتين أنّ تطوير السلاحين أمر بالغ الأهمية لأمن روسيا وللتكافؤ الاستراتيجي لعقود قادمة؛ الأمر الذي أثار تساؤلات جدية عن مستقبل معاهدة "نيو ستارت 3 " ومدى قدرتها في حال إقرارها على كبح "جماح التسلح النووي". 

وفي خطاب استراتيجي موجه لواشنطن وبروكسل، أكد بوتين أنّ الصاروخ المجنح الجديد الذي يعمل بالطاقة النووية "يوريفيستينك" يتفوق على جميع أنظمة الصواريخ المعروفة في العالم من حيث مدى الطيران، مشيرا إلى أنّ السلاحين النوويين (بوسيدون ويوريفستينك) سيضمنان الأمن والتكافؤ الاستراتيجي لعقود قادمة بل للقرن الحادي والعشرين بأكمله. 

أخبار ذات علاقة

غواصة نووية روسية

يتسبب بـ"تسونامي إشعاعي".. هل يتحول "بوسيدون" الروسي إلى كابوس للغرب؟

"أكتوبر" شهر التصعيد النووي

وأعادت المستجدات العسكرية الروسية الأمريكية خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، أجواء "الحرب الباردة" بين البلدين، حيث مثل "الصراع النووي" و"السباق على التسلح العسكري الاستراتيجي" عنوان النزاع بين القوتين الكبريين.

حيث أشرف بوتين على تدريبات للقوات النووية الاستراتيجية الروسية البرية والبحرية والجوية لاختبار جاهزيتها، وتضمنت التدريبات إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات، وإطلاق صاروخ باليستي من طراز "سينيفا" من طرّاد نووي في بحر "بارنتس".

وجاءت هذه المناورات كرد روسي على المناورات النووية السنوية للحلف الأطلسي في وقت سابق خلال ذات الشهر، بمشاركة نحو 60 طائرة من 13 دولة بينها مقاتلات من طراز "إف35 إيه"، وقاذفات "بي-52"، واحتضنت بلجيكا وهولندا هذه التدريبات التي تندرج ضمن تدريبات "ستيدفاست نون". 

وعقب هذه المناورات النووية، اختبرت روسيا أحدث أسلحتها الاستراتيجية التي تشتغل بالطاقة النووية، حيث أكدت نجاح الطوربيد النووي "بوسيدون" وصاروخيْ "يوريفيستنيك" و"سمارت" في جميع الاختبارات العسكرية، معددة مزاياها الهجومية والدفاعية والتقنية وأهميتها ضمن الصراع الاستراتيجي مع الغرب.

وعاضدت موسكو ترسانتها من الصواريخ والطوربيدات النووية، بتدشين الغواصة النووية "خاباروفسك"، التي تستطيع – حسب إعلان وزارة الدفاع الروسية- حمل مركبات بحرية روبوتية، كما أن لها دورا كحاملة لأنظمة بحرية بعيدة المدى غير مأهولة، وهو ما يمكن أن يعقد عملية الدفاع البحري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

وبمجرد كشف بوتين عن العُدّة التسليحية الروسية النووية المتطورة، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا للبنتاغون بالبدء في اختبار الأسلحة النووية بشكل فوري، معتبرا أنّ هذا القرار يتنزل ضمن المساواة مع الدول الأخرى، (في إشارة لروسيا والصين)، دون أن يُسمي الدولتين.

كما أخذت الأمور منحى تصاعديا خطيرا، مع إلغاء عقد قمة ثنائية بين بوتين وترامب في العاصمة المجرية "بودابست"، ومع قُرْب انتهاء العمل بمعاهدة "نيو ستارت"، وهي مُعاهدة تقليص الأسلحة النّووية، في فبراير/ شباط القادم. 

وسبق أن اقترحت موسكو على واشنطن تمديد العمل بهذه الاتفاقية عاما آخر، إلى حين الاتفاق على صياغة معاهدة جديدة، وهو ما وجد موافقة مبدئية من ترامب دون أن تتحول إلى إجراءات تطبيقية، لا في مستوى عقد لقاء قمّة ثنائية، ولا في مستوى تقديم مشاريع ومسودات جديدة عن المعاهدة النووية.

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب

رداً على "بوسيدون" الروسي.. ترامب يأمر ببدء الاختبارات النووية فوراً

"نيو ستارت3" نصوص تجاوزها الواقع

وتقلص المعاهدة من عدد الأسلحة النووية التي يمتلكها الجانبان؛ إذ تحدّ عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية والصواريخ والقاذفات البرية والغواصات، بحيث لا يتجاوز عدد القاذفات النووية الاستراتيجية 700، وعدد الرؤوس النووية 1550.

وتكتسي "نيو ستارت3" أهمية استراتيجية بالغة؛ لأنها آخر عملية لمراقبة الأسلحة النووية بين الدولتين، نالت التزامهما على مصفوفة قيود من شأنها التقليل من الصراع النووي وحُمى التسليح العسكريّ النووي.

ومن شأن هذا الفتور في جهود التوصل إلى اتفاقية جديدة أن يزيد الأوضاع الدولية تأزّما وتعقيدا، لاسيما وأنّ الدولتين تعتبران محتكرتين للسلاح النووي؛ إذ إنهما تحتفظان مجتمعتين بما يزيد على 90% من الأسلحة النووية، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. 

رعب نووي

وتقدم الدراسات الاستراتيجية المهتمة بـ"السلاح النووي" مشهدا خطيرا حول طبيعة الترسانة العسكرية النووية التي بحوزة الدولتين، مشيرة إلى أنّ أي قصور في إدارة النزاع النووي سيضع العالم برمته على حافة الهاوية الاستراتيجية والعسكرية.  

وتبسط هذه الدراسات أرقاما ومعطيات استراتيجية جدّ مهمة، معتبرة أنّ روسيا أصبحت تتفوق على  منافسيها كافة في مجال الأسلحة النووية، بعد أن صارت تمتلك أسلحة استراتيجية جدّ متطورة من حيث الكم والكيف والسرعة والتقنية والقدرة التفجيرية.

وتنقل عن مصادر عسكرية روسية إفادتها بأنّ الأسلحة النووية الاستراتيجية الروسية هي بمثابة صواريخ بعيدة المدى يمكن إطلاقها من الأرض أو من سفينة أو غواصة، وهي "يارس" و"ساتان" و"سارمات" و"داجر" و"سينيفا" و"لاينر" و"بولافا" وبوسيدون" و"زركون"، "وتوبول-إم"، و"أفانغارد"، كما تشمل أيضا الأسلحة النووية التكتيكية وهي "تيوليب" و"إسكندر" و"جياسنت" و"مالكا".

قاذفة صواريخ باليستية روسية من طراز "يارس"

ويكشف معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن المخزون العالمي من الرؤوس الحربية النووية يبلغ الآن 12512 وحدة، منها 5889 في روسيا، و5244 في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تحوز الصين 410 وحدات، بعد أن كانت في حدود 350 رأسا نوويا.

ووفق مصادر عسكرية أمريكية فإنّ الولايات المتحدة تمتلك 400 صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز "مينوتمان3"، و200 شحنة تكتيكية تتراوح من 0.3 إلى 50 كيلوطنا للقنابل "بي آي3-61" و"بي 61-4".

وتضيف المصادر أنّ البحرية الأمريكية لديها الآن 14 غواصة استراتيجية من طراز "أوهايو"- من المرجح أن تكون واحدة من بينها على السواحل الروسية كما سبق وأن أشار إليها الرئيس ترامب بحر الأسبوع الماضي- حيث تحمل ما يصل إلى 20 صاروخا باليستيا من طراز "ترايدنت-2"، 8 مخصصة منها للعمليات في المحيط الهادي، و6 في المحيط الأطلسي، فيما تقوم باقي الغواصات بدوريات مستمرة في عرض البحر. 

أخبار ذات علاقة

العالم على حافة "الانفجار النووي".. بوتين يشعل التجارب وترامب يرد بسباق الردع

ما بعد "نيو ستارت".. العالم يواجه مخاطر الانزلاق إلى "فوضى نووية"

غايات استراتيجية من التصعيد النووي

حيال هذا المشهد، يؤكد الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون أنّ السلاح النووي وباستثناء الحرب العالمية الثانية مع حادثة هيروشيما وناكازاكي، كان دائما سلاح ردع وتوازن، ولم يستعمل في الحروب والصراعات والنزاعات، ومن ثم فإنّ الغرض الروسي من هذا "التصعيد النّووي" يتمثّل في تأمين أهداف سياسية واستراتيجية. 

ويتوافق الخبراء أنّ موسكو تريد تحصيل 5 أهداف استراتيجية، وهي: 

1- الحيلولة دون تقديم واشنطن لكييف أسلحة ثقيلة متطورة و/ أو أسلحة بعيدة المدى قادرة على التغيير النسبي في موازين القوى العسكرية في الحرب القائمة، وذلك من خلال الإشارة إلى تقدمها في المنظومة الهجومية والدفاعية، وأيضا من خلال التطوير المستمر لأجيال الصواريخ المشتغلة بالخوارزميات وبالأقمار الصناعية؛ الأمر الذي يجعل التسليح الأمريكي والتمويل الأوروبي، دون فائدة حقيقية في الميدان العسكري.

2- توجيه رسالة واضحة لدول الاتحاد الأوروبيّ، بأنّ العقوبات الاقتصادية القاسية والتضييق على صادرات النفط والغاز الطبيعي، وتجميد أصول الأموال الروسية الطائلة في البنوك الأوروبية، لم تحل دون مواصلة الدولة الروسية لتجاربها العسكرية النووية منها والتقليدية، ولم تسقط الاقتصاد الروسي بالضربة القاضية، حتى وإن تضرر في مجالات عديدة وقطاعات كثيرة.

3- توجيه رسالة ثنائية لبروكسل وواشنطن، أنّ الرد العسكري الروسي على أية "حماقة"- وفق المعجم الروسي- سيكون استراتيجيا وحاسما، فإن كان التطور بلغ هذا المستوى في الأسلحة الحديثة والمعقدة المشتغلة بالطاقة والتقنيات النّووية فكيف بالأسلحة العادية.

4- ترويض الحدائق الخلفية لروسيا، سواء أكانت دولا متمردة، أو متذبذبة، أو مؤيدة، من خلال التأكيد بأنّ التعويل على بروكسل المتأزمة اقتصاديا والمتشرذمة سياسيا والمبتزَّة من طرف واشنطن ماليا والمنحسرة داخل حدودها الإقليمية، أو الاعتماد على واشنطن التي ترفع شعار "أمريكا أوّلا"، أو الرهان على الأطلسي الذي يعرف تغييرات هيكلية بعد قدوم ترامب، ليست بالخيارات الاستراتيجية الناجعة أو الناجحة، في ظلّ قدرة روسيا على المقاومة وعلى التطور.

5- دعوة ترامب إلى الشروع في معاهدة نووية جديدة، "ستارت 4"، تعالج الوضع النووي لا على أساس المشهد العسكري النووي في 2010 وإنما على أساس المشهد العسكري النووي في 2025، وهو مشهد عرف عدّة تغييرات جوهرية من بينها، التفوّق الرُّوسي كمًّا وكيفا، ظهور التّنين النّووي الصّيني بأكثر من400 رأس نوويا وبترسانة نووية معتبرة، مع ضرورة الفصل بين الأسلحة العسكرية النووية والأسلحة المشتغلة بالطاقة النووية، وحتمية تحديد وتعريف طبيعة ونوعية التجارب العسكرية النووية المقبولة وغير المقبولة، درءاً لأيّ توظيف سياسيّ للاختبارات العسكرية الروسية.

عرض روسي لحاملات صواريخ باليستية

ويؤكد الخبراء العسكريون أنّ الوقت ليس وقت ترف للخوض في التجارب النووية العسكرية، المكلفة ماديا ولوجستيا والمعقدة تقنيا، خاصة وأنّ المناورات تفترض تفريغ الأسلحة من شحنتها النووية، وهو جهد ليس بالبسيط ولا بالهين، وأنّ واشنطن الغارقة في الشلل الحكومي وموسكو الواقعة في مأزق العقوبات الاقتصادية، تبتغيان من وراء هذا "المنحى التصاعدي النووي" تحصيل مصالح سياسية واستراتيجية. 

ويشيرون إلى أنّ هذا التصعيد هو ورقة تفاوضية مهمة جدا، في القمم المرتقبة والمنتظرة بين ترامب وبوتين، لاسيما وأنهما يبتغيان منها أن تكون "قمة فضّ الإشكالات الكبرى"، من أوكرانيا إلى العقوبات المالية، ومن المعادن النادرة والثمينة، إلى إدارة الملف العسكري النووي..  

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC