تتحرك الحكومة الفرنسية ضد تنظيم الإخوان المسلمين على أراضيها، بعد رفع السريّة عن تقرير "صادم" كشف عن سعي الجماعة إلى فرض الشريعة الإسلامية داخل البلاد، بحسب "نسخة مخففة" من التقرير الذي نشرته صحيفة "لوفيغارو".
وعلى الفور، ترأس الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم الأربعاء في قصر الإليزيه، اجتماعاً لمجلسي الدفاع والأمن القومي، لتدارس "خطر الإسلام السياسي" على البلاد، وملف حركة الإخوان المسلمين، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية التي كشفت أن الاجتماع خلُص إلى أن الجماعة تشكل "تهديداً للتلاحم الوطني".
وبينما لم تصدر قرارات فورية عن الاجتماع، إلا أن أحد مستشاري ماكرون أكد أن الرئيس الفرنسي يريد اتخاذ إجراءات "بأسرع وقت ممكن"، متوقعاً صدور توصيات قريباً، مع احتمال تصنيف بعض الإجراءات كمعلومات سرية.
لكن مراقبين يرون أنه حتى لو لم تكن هناك إجراءات فورية ضد الجماعة ككيان وأفراد في فرنسا، فإن نشاط الإخوان في البلاد أصبح تحت الرصد والتضييق، بانتظار الإجراءات الحاسمة التي تتفق مع القوانين الفرنسية، مع توقع تقرير لإذاعة "مونتي كارلو" أنها ستكون بمثابة "إعلان الحرب" ضد الجماعة.
ومع نُذر التصعيد الفرنسي ضد الإخوان المسلمين، تبرز العاصمة البريطانية كـ "ملاذ دائم وآمن" لعناصر الجماعة، بعد كل أزمة تواجههم في أي بلد أو قارة، إذ تُعتبر لندن "الأكثر تساهلاً" مع نشاط جماعة الإخوان من بين كل العواصم الأوروبية، حيث يلجأ إليها كل إخواني يخشى من الملاحقة القضائية.
ولعقود طويلة احتضنت بريطانيا "الإخوان"، فهي ليست فقط حاضنة لمقر الجماعة، بل شكّلت نقطة انطلاق "دعوي" منذ إنشاء أول مكتب لها في لندن في نهاية الخمسينيات، بعد الحملة التي شنّها الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، على الإخوان إثر كشف مخططات للانقلاب.
ومن لندن، انطلق الإخوان نحو دول أوروبية عديدة، لكن مع كل تضييق يواجهونه في أوروبا يكون المرتجع إلى بريطانيا التي شكّلت في عام 2013 "نقطة تجمّع آمن" للإخوان، خصوصاً بعد سقوط نظام الرئيس الراحل محمد مرسي في مصر، وهروب العديد من القيادات والكوادر الإخوانية إلى لندن.
وفي 2014، ومع تنامي الوجود الإخواني على الأراضي الإنجليزية، فشل رئيس الوزراء آنذاك، ديفيد كاميرون، في تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، وهو الفشل الذي كان "نقطة نمو" للجماعة، ووفق دراسة نشرها المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن نحو 60 منظمة تتبع للإخوان داخل بريطانيا، تضمّ آلاف الكوادر.
ويُقدّر اليوم عدد نشطاء الإخوان المقيمين في لندن بأكثر من 25 ألفاً، وهو أعلى رقم في أوروبا على الإطلاق بحسب "المركز الأوروبي" أيضاً، يتمتعون بحرية واسعة في العمل السياسي والإعلامي، مسنودة بحجم واسع من الاستثمارات التي تقدّر بأكثر من 10 مليارات دولار، عبر مؤسسات وشركات تعمل بوضع قانوني "متساهل".
يرتبط الإخوان المسلمون في بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التي ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسي محكَم، يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب 60 منظمة داخل المملكة المتحدة.
واجهت جماعة الإخوان "منغصات" في بريطانيا، خصوصاً أن رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا خلال السنوات العشر حاولوا الحد من امتيازات الجماعة، فبعد فشل كاميرون في محاصرة وجود الإخوان في لندن، جاء بوريس جونسون الذي انتقد علناً استغلال الإخوان للحريات في بلاده، محذّراً من أنهم "أحد أكثر الأطراف دهاء من الناحية السياسية في العالم الإسلامي".
واستكمل رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، المحاولات مع وصفه الجماعة بأنها "سُم" للديمقراطية، محذراً من "زيادة مروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرام" تهدد البلاد بالانتقال إلى "حكم الغوغاء"، لكن من دون إجراءات ملموسة ضد نشاط الإخوان المتنامي في البلاد.
العام الماضي، وفي أبرز تحرّك بريطاني ضد الإخوان، وضعت بريطانيا الجماعة على رأس قائمة التطرف وفق مقاييس التعريف الحكومي الجديد، لكن مراقبين قللوا حينها من أثر تلك الخطوة، معتبرين أنها كانت تستهدف الحملة ضدّ "معاداة السامية" بعد التعاطف الكبير مع القضية الفلسطينية إثر الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وتشير تقارير إلى تنام كبير في عمل منظمات الإخوان، عبر منظمات خيرية أو تعليمية، استغلت الحرب على غزة لتوسيع نطاق عملها وهو ما دفع صحيفة "الغارديان" في تقرير سابق أن تؤكد "فشل" أي جهد حكومي في الحدّ من نفوذ الإخوان في البلاد.