اندلعت موجة احتجاجات شبابية في عاصمة مدغشقر، أنتاناناريفو، احتجاجا على انقطاع الماء والكهرباء وانهيار الخدمات الأساسية، وتحولت بسرعة إلى انتفاضة أوسع طالبت برحيل الرئيس أندريه راجولينا.
وتحت ضغط الشوارع، انشق عناصر من القوات الخاصة وانضموا إلى المتظاهرين؛ ما أجبر الرئيس على مغادرة البلاد بينما أعلنت قيادة الجيش سيطرتها على السلطة.
شبابٌ يُطالب بالمشاركة
حققت قيادة الاحتجاجات، التي قادتها مجموعات شبابية تُعرف بـ«جيل Z»، نجاحا سريعا في تعبئة الشارع وإحداث تغيير فوري في ميزان القوى السياسية.
وبحسب "ذا إيست أفريكان"، فإن الاستقبال المبدئي الذي لقيه تدخل عناصر من وحدة «كابسات» العسكرية أزال رأس النظام بسرعة، لكن سرعان ما ارتفعت أصوات القلق لدى قادة الحركة حول من سيكتب ملامح المرحلة الانتقالية.
أدى القائد العسكري الذي برز في المشهد، العقيد مايكل راندريانيرينا، اليمين كرئيس مؤقت، وأعلن أن الجيش سيحكم إلى جانب سلطة مدنية لمدة تصل إلى عامين قبل تنظيم انتخابات جديدة، وهو إعلان أثار شكوكًا لدى نشطاء الجيل Z بشأن نوايا الجيش تجاه المشاركة المدنية الحقيقية.
وفي جزء منه رأت الحركة الشبابية في الجيش قوة قادرة على وقف العنف وإعاقة محاولة النظام القمعي الاستمرار، وهي حجّة اعتمدت عليها بعض الأصوات لتبرير الترحيب المؤقت بتدخل الجيش.
وذكرت الصحيفة أن فرقا بين «إزالة رئيس فاشل» و«بناء نظام بديل فعّال»، والقلق أن يتحول الجيش من حامٍ إلى حاكم دائم موجود؛ كما أن قادة الاحتجاجات الذين قابلوا القائد العسكري خرجوا بمشاعر مختلطة — ترحيب بالحماية، وتحفّظ على غياب خطة انتقال مدنية واضحة.
ويعكس هذا التوتر درسا متكرّرا في التجارب الأفريقية: عندما تمتد المؤسسة العسكرية في الحكم لفترات طويلة، تتلاشى المساحات المدنية تدريجيا.
لا تضمن النجاحات الرمزية للجيل Z انتقالا ديمقراطيا مستداما؛ فتاريخ مدغشقر السياسي يذكر بأن دور الجيش في الحكم غالبا ما أعقبته أزمات اقتصادية وسياسية، وهو ما يزيد من مخاطر تآكل المكاسب الاجتماعية.
إضافة لذلك، جاء رد الفعل الدولي صارما؛ إذ أدانت الأمم المتحدة وحلفاء إقليميون التحوّل العسكري وهددت بموقفات سياسية واقتصادية قد تزيد عزل البلاد، بينما كان للموقف السريع للقادة العسكريين من تحديد إطاره الزمني من عام إلى عامين، وقع مهدّئ لكنه غير مقنع للخبراء الذين يشككون في قدرة مؤسسات الدولة على تهيئة انتخابات نزيهة في ظلّ حكم عسكري قصير أو ممتد.
سيناريوهات قادمة
وأشارت الصحيفة إلى أن أمام الحركة الشبابية خيارات محدودة لكنها مؤثرة: الأول، مواصلة الضغط الشعبي والمطالبة بصياغة جدول زمني شفاف للانتقال المدني ومشاركة ممثلين مدنيين صادقين في كل مفاصل السلطة المؤقتة؛ الثاني، التفاوض مع قادة الجيش على آليات رقابة وطنية ودولية لضمان احترام الحريات وإنفاذ إصلاحات فورية للخدمات الأساسية.
بينما الخيار الثالث، إذا انتقلت السلطة نحو تهميش الشباب والمجتمع المدني، فسيصبح العنف المدني أو تكرار الاحتجاجات احتمالا واقعيا، تحذّر قادة الحركات الشبابية من العودة إلى الشارع إن لم تُؤخذ مطالبهم بعين الاعتبار.
نجاح جيل Z في إسقاط رئيس لم يعد مرغوبا فيه يثبت قدرة الشباب الملغاشي على التعبئة والتأثير، لكن السؤال الأهم الآن: هل سيُنقَل هذا التأثير إلى مؤسساتٍ قادرة على تغيير الواقع الاقتصادي والخدمي المتردّي أم سيؤدي إلى استبدال شخصٍ بآخر مع بقاء الأنظمة نفسها؟
سيعتمد المستقبل على قدرة الحركة على تحويل الزخم الشعبي إلى أدوات ضغط مؤسسية تضمن مشاركة حقيقية ومؤشرات أداء قابلة للقياس خلال الفترة الانتقالية.