في إعادة رسم لحدود الاشتباك في الحرب الروسية الأوكرانية، رفعت موسكو منسوب التهديد معلنة أن أي وحدات أجنبية تقاتل في أوكرانيا هي "أهداف مشروعة".
هذا التصريح لا يبدو مجرد رد انفعالي على حادثة مقتل جندي بريطاني في أوكرانيا، بل هو جزء من معادلة ردع جديدة تعمل روسيا على تثبيتها منذ أسابيع.
الخطاب الروسي هذه المرة لا يستهدف كييف وحدها، بل يتجاوزها ليضع أوروبا على حافة اختبار سياسي وعسكري غير مسبوق، حيث يتحول أي وجود غربي داخل أوكرانيا – مهما كان طابعه – إلى نقطة اشتعال محتملة.
هذا التصعيد جاء بعيد إعلان وزارة الدفاع البريطانية مقتل أحد جنودها أثناء اختبار القوات الأوكرانية نظاما دفاعيا جديدا، وهو ما اعتبرته موسكو دليلًا إضافيًا على تورط لندن المباشر في العمليات العسكرية ضدها.
وعلى خط موازٍ، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو لا تسعى لحرب مع أوروبا، لكنه شدد في خطاب أمام مجلس الاتحاد الروسي أن بلاده سترد على أي خطوات عدائية، بما فيها نشر قوات أوروبية في أوكرانيا أو الاستيلاء على الأصول الروسية.
ويرى خبراء أن تهديد روسيا برفع السقف واستهداف "أي وحدات أجنبية" في أوكرانيا ليس إعلانًا دعائيًا، بل خطوة تعكس انتقال موسكو إلى قواعد اشتباك أكثر صراحة بعد مقتل الجندي البريطاني، خاصة أن موسكو تعتبر المقاتلين الأجانب أهدافًا مشروعة منذ اليوم الأول، وأن زيادة وجودهم ستجلب خسائر أكثر في المرحلة المقبلة.
ألكسندر زاسبكين، الدبلوماسي الروسي السابق، قال إن القيادة الروسية أوضحت منذ اليوم الأول أن الأجانب الذين يقاتلون في أوكرانيا إلى جانب أوكرانيا يُعدون أهدافًا مشروعة، مشيرًا إلى أن المعلومات عن خسائرهم تصل بشكل متواصل.
وأضاف في تصريحات لـ "إرم نيوز" أن زيادة عدد العناصر الأجنبية تؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة حجم خسائرهم، موضحًا أن أي انتشار محتمل لقوات أجنبية بعد توقيع اتفاق التسوية مرفوض تمامًا من جانب موسكو.
وكشف الدبلوماسي الروسي السابق أن القيادة الروسية تدرك جيدًا الدور الخاص الذي تلعبه المخابرات البريطانية في تمهيد وتنفيذ "الأعمال التخريبية والإرهابية" الأوكرانية ضد روسيا.
من جانبه، أكد هشام معتضد، الباحث الاستراتيجي، أن التطورات الأخيرة في أوكرانيا تكشف تحولًا روسيًا واضحًا نحو توسيع تعريف الخصوم، موضحًا أن إعلان موسكو اعتبار "وحدات أجنبية" أهدافًا مشروعة ليس تهديدًا عابرًا، بل يمثل إطارًا جديدًا للحرب الهجينة ضد الغرب.
وقال في تصريح لـ"إرم نيوز" إن مقتل الجندي البريطاني ليس حادثًا عارضًا، بل مؤشرًا على مشاركة غربية حساسة كانت تجري بعيدًا عن العلن.
وأشار معتضد إلى أن ما يزعج موسكو هو تحرك لندن لملء الفراغ الناتج عن تراجع واشنطن.
وأضاف الباحث الاستراتيجي أن الردع الغربي بات قائمًا على استهداف نقاط ضعف روسيا، من بنيتها الطاقية إلى تموضعها في كالينينغراد، بينما يختبر الكرملين إرادة الغرب.
وأوضح أن ساحة القتال أصبحت فضاءً مكتظًا بالمتعاقدين والمستشارين ووحدات الحرب الإلكترونية، وأن المئات من الأجانب يقاتلون مع كييف، كما تعتمد موسكو على مجموعات ما بعد فاغنر ومقاتلين من الشيشان وسوريا، ما يجعل الصراع أكثر تعقيدًا وقابلية للتمدد خارج أوكرانيا.
وأكد معتضد أن رفع السقف الروسي يمهد لمرحلة جديدة قد تُستهدف فيها مواقع حساسة داخل أوكرانيا، مع بقاء احتمال الضرب خارجها ضعيفًا بسبب تجنب المواجهة مع الناتو.
وقال إن بريطانيا ستعمل وفق معادلة تشمل الإنكار السياسي والتحصين الداخلي والتصعيد المنضبط سيبرانيًا وعملياتيًا، معتبرًا أن ما يجري اليوم هو تفاوض على شكل الحرب في 2026 وما بعدها بين حرب هجينة قابلة للسيطرة ومواجهة أوروبية أوسع.
وأشار معتضد إلى أن الحرب تُعاد هندستها، فروسيا تفرض معايير جديدة بينما بريطانيا تعود إلى مركز المسرح في ظل فراغ استراتيجي تتركه واشنطن، لتتحول لندن وموسكو إلى لاعبين رئيسيين في معركة إرادة تتجاوز حدود الأرض.