أكد خبراء استراتيجيون ومختصون في العلاقات الدولية أن التوجه المتزايد نحو "العسكرة" في دول أوروبا، خصوصا بريطانيا، نتيجة الصراع مع روسيا في سياق الحرب في أوكرانيا، بات يهدد نمط الحياة المرفهة الذي اعتاد عليه المواطنون في ما كان يُطلق عليه "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس".
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن اعتزام بريطانيا إنشاء 6 مصانع جديدة لتصنيع السلاح يضعها على طريق "اقتصاد الحرب"، بعد أن طال تأثير الأزمة بند الغذاء، ليصل إلى وجبات طلاب المدارس، التي أصبحت – بحسب وصف خبراء – "شبه محظورة".
وأشار مختصون إلى أن مصانع السلاح الجديدة تأتي في ظل أزمات معيشية يعاني منها المواطنون، من أبرز مظاهرها أن ما بين 10 إلى 20% من البريطانيين يعيشون تحت خط الفقر، فيما تصل نسبة العاجزين عن دفع فواتير الكهرباء والماء إلى 40% في بعض المدن.
وقد أعلنت المملكة المتحدة مؤخرا عن نيتها استثمار 1.5 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 1.8 مليار يورو) لبناء 6 مصانع جديدة لإنتاج الأسلحة والذخائر، وذلك قبل أيام من الكشف عن استراتيجيتها الدفاعية الجديدة.
وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر رفع الإنفاق الدفاعي للمملكة المتحدة إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، مقارنة بـ2.3% حاليا، وذلك لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة في أوروبا، وسط ضغوط من الولايات المتحدة على شركائها في حلف الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي.
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور نبيل الحيدري، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن إنشاء بريطانيا 6 مصانع أسلحة جديدة يأتي ضمن ما وصفته لندن بـ"مراجعة دفاعية"، بتكلفة 1.5 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 2 مليار دولار.
وأضاف الحيدري أن هذا التوجه العسكري يأتي في ظل شعور لندن بوجود تهديدات بعد الحرب الأوكرانية، معتبرا أن بريطانيا تواجه خطرا يهدد أوروبا بأكملها، علما بأن عدد الجنود البريطانيين المدربين لا يتجاوز 70 ألفا في ظل العمل بنظام التجنيد الاختياري، لذا تسعى لشراء 7 آلاف سلاح بعيد المدى.
وأوضح أن التسليح بات أولوية تفوق رفاهية المواطنين، حيث يُطلب من السكان تقليص مستوى معيشتهم، حتى وصل الأمر إلى الحد من وجبات الفطور التي تُقدم لطلاب المدارس، والتي أصبحت شبه محظورة.
وأشار الحيدري إلى أن ارتفاع الأسعار انعكس سلبا على الاحتياجات اليومية، خاصة الغذاء، الذي كان يحظى بدعم حكومي لمساعدة الملايين، لكنه لم يعد ضمن أولويات الإنفاق، بل يُنظر إليه كنوع من الرفاهية في ظل التركيز على المخاطر الأمنية والعسكرية التي تراها لندن تهديدا مباشرا.
وأكد أن حزب العمال، رغم إدراكه لتبعات هذه السياسات، يواصل هذا النهج؛ ما قد يؤدي إلى خسارته في الانتخابات المقبلة وسقوطه بشكل كبير بسبب هذه الخطة.
بدوره، أوضح مدير مركز فيريل للدراسات في برلين، الدكتور جميل شاهين، أن الإنفاق العسكري العالمي تضاعف في العديد من الدول، حيث زادته بعض الدول بدرجة كبيرة، ومنها روسيا، وكذلك أوروبا، وذلك استجابة لضغوط أمريكية بدأت منذ عهد دونالد ترامب بهدف ردع موسكو.
وأكد شاهين، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن إعلان الحكومة البريطانية عن بناء 6 مصانع عسكرية لإنتاج السلاح والذخائر والطاقة، ضمن ما أُطلق عليه "مراجعة استراتيجية للدفاع"، يمثل خطوة نحو إعلان "اقتصاد الحرب"؛ وهو ما سينعكس سلبا على حياة المواطنين.
وتابع أن وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، صرّح بأن تكلفة تلك المصانع تبلغ 2 مليار دولار، وهي قد تبدو ضئيلة في اقتصاديات الدول الكبرى، لكنها تمثل عبئًا كبيرًا عندما يكون الاقتصاد في أزمة، وعندما يكون ما بين 10 إلى 20% من السكان تحت خط الفقر، ويصل عدد من لا يستطيعون دفع فواتير الخدمات الأساسية إلى 40%، فإن الأمر يتخذ أبعادا خطيرة.
وأضاف شاهين أن هيلي أشار إلى أن هذه الميزانية ستُستخدم أيضا في شراء نحو 7 آلاف سلاح بعيد المدى من الولايات المتحدة، ويأتي ذلك في وقت طلبت فيه بريطانيا شراء طائرات حربية من نوع "إف-23 إي"، القادرة على حمل صواريخ نووية تكتيكية، بعد محاولة اغتيال فلاديمير بوتين قبل أسبوعين، في ظل شكوك كبيرة حول تورط المخابرات البريطانية.
وأشار إلى أن بريطانيا، رغم معاناتها من عجز في التمويل، تسعى لإتمام هذه الصفقة الباهظة، وتتبنى استراتيجية تهدف إلى منع انتصار روسيا في أوكرانيا بأي وسيلة، حتى وإن أدى ذلك إلى إشعال حرب عالمية، في وقت تفتقر فيه إلى "ثالوث الردع النووي" (البر، البحر، الجو) المتوفر لدى أمريكا وروسيا، فضلًا عن ضعف جيشها، وهو حال معظم الجيوش الأوروبية التي أصبحت "مترهلة"، حيث أصبحت الشرطة في بعض الدول أقوى من الجيش.