يبدو أن الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين يسيران على نفس النهج وعلى نفس الصفحة مرة أخرى، لكن هذه المرة، اللوم يقع على أوروبا.
فبعد ثلاثة أسابيع من قمة رفيعة المستوى منخفضة التأثير في ألاسكا، يركز الزعيمان على أوروبا في ظل حالة الركود التي تحيط بالجهود الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وفق شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
في مكالمة هاتفية يوم الخميس مع زعماء أوروبيين، دعا ترامب القارة إلى بذل المزيد من الجهود، رغم أن النشاط الدبلوماسي الحقيقي لإحلال السلام يأتي من حلفاء الولايات المتحدة عبر الأطلسي في محاولة لتأمين ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد أي اتفاق سلام.
وأشار ترامب أشار إلى أنه سيتحدث مع بوتين قريبًا لتحديد "ما سنفعله"، لكنه رفض الإفصاح عن إمكانية فرض عقوبات صارمة مباشرة على روسيا إذا استمر بوتين في تعطيل عملية السلام، بعد تجاهله للمواعيد النهائية المتكررة.
وقال الرئيس الأمريكي من المكتب البيضاوي: "مهما كان قراره، فسنكون إما سعداء به أو غير راضين عنه. وإذا كنا غير راضين، سترون أشياء تحدث".
وفي الوقت نفسه، تحدث ترامب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين، وصرح زيلينسكي أن المحادثة تناولت الضغط الاقتصادي على روسيا و"حرمان آلة الحرب الروسية من المال".
ومع ذلك، جاءت الرسالة الأمريكية الأخيرة بعد المكالمة أكثر انتقادًا لأوروبا من روسيا نفسها، حيث شدد البيت الأبيض على ضرورة توقف الدول الأوروبية عن شراء النفط الروسي الذي يموّل الحرب، والذي بلغت عائداته 1.1 مليار يورو خلال عام واحد؛ كما دعا ترامب الأوروبيين لممارسة الضغط على الصين التي تدعم جهود روسيا.
وبحسب مراقبين، يبدو أن ضغط ترامب على أوروبا غير متوازن وغير منطقي أحيانًا؛ فهو يطالب القارة بمواجهة الصين بشأن مشترياتها من النفط الروسي، بينما الولايات المتحدة نفسها منخرطة في محادثات تجارية مع بكين، على الرغم من الحرب التجارية السابقة التي أطلقها ترامب برسوم جمركية مرتفعة.
وبالمثل، ينتقد ترامب الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي، رغم أنها حليف تقليدي، ما أدى إلى تعقيد الاستراتيجية الأمريكية طويلة الأمد في آسيا.
وظهرت تكلفة هذه السياسة مؤخرًا في العلاقات الهندية-الصينية، حيث استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي استقبالًا ودياً، بينما أمضى مودي وقتًا في سيارة بوتين خلال زيارة رسمية، تكرارًا لمشهد لقاء بوتين وترامب في ألاسكا.
تواصل روسيا استراتيجيتها الكلاسيكية المتمثلة في إثارة الخلافات بين حلفائها في الناتو، لإيجاد مساحة للضغط العسكري على خطوط المواجهة في شرق أوكرانيا.
واتهم بوتين الأوروبيين بإثارة "الهستيريا" بشأن خطط روسيا المزعومة لمهاجمة أوروبا، وصرح أن موسكو لا تنوي شن أي هجوم.
كما حذّر بوتين من أن أوروبا لا يجب أن "تعيق" دبلوماسيته مع ترامب، في حين أظهرت حوادث مثل تشويش نظام GPS على طائرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن موسكو مستمرة في ممارسة ضغوطها للعرقلة.
ومن أبرز العقبات عدم وجود لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي، رغم توقع البيت الأبيض إجراء محادثات، حيث رفضت أوكرانيا أي لقاء في موسكو خشية تعرضها للابتزاز السياسي.
ورغم الجمود، هناك بعض التقدم على صعيد الضمانات الأمنية، فبعد المكالمة الهاتفية، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن 26 دولة تعهدت بالمساهمة في قوة حفظ سلام محتملة إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأشار إلى أن الضمانات يجب أن تشمل تعزيز القوات الأوكرانية ونشر قوات أوروبية فيها، بالإضافة إلى "شبكة أمان أمريكية" محدودة.
لكن في نهاية أسبوع آخر من تحرك ضئيل للغاية نحو السلام، لم يعد مفاجئًا أن يشعر ترامب بالإحباط، بينما تبقى أوروبا تحت ضغط مسؤولية غير متناسبة عن تقدم جهود السلام في أوكرانيا، وسط استراتيجية روسية تقودها لعبة التحايل على الغرب وعرقلة المبادرات الدبلوماسية.