يشهد ملف تنظيم الإخوان المسلمين داخل الولايات المتحدة تحوّلًا ملحوظًا بعد انتقال التشريعات المناهضة للجماعة من تكساس إلى فلوريدا، في خطوة تُظهر توسعًا مدروسًا داخل الولايات الأمريكية نحو مقاربات أكثر صرامة تجاه التنظيم.
وكشفت مصادر أمريكية لـ"إرم نيوز"، أن البيئة التشريعية المحلية بدأت تتحول إلى رافعة مؤثرة لإعادة تعريف موقع الإخوان داخل المجال العام الأمريكي.
وأشارت المصادر إلى أن ما يجري داخل الولايات الأمريكية ينسجم مع توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تعمل بدورها على إعادة فتح ملف التصنيف، وتُجري مراجعات أوسع لسجلات الجماعة وشبكاتها وعلاقاتها داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وبينت أن هذا التوازي بين المستويين الفدرالي والمحلي يمنح الملف زخمًا إضافيًا، ويعيد فتح النقاش حول مستقبل وجود الجماعة في أمريكا من زاوية قانونية وأمنية معًا.
ويؤكد المطلعون على الملف داخل الكونغرس أن التشريعات المحلية ستُحدث تغييرًا تراكميًا يصعب تجاوزه، فالقوانين الصادرة في ولايات كبرى، مثل تكساس وفلوريدا، تدخل مباشرة في صلب قواعد العمل المدني والسياسي داخل تلك المناطق، وتضع المؤسسات المرتبطة بالإخوان أمام ضوابط جديدة في ما يتعلق بالنشاط العام، والشراكات، والتمويل، والوجود القانوني.
وتشير مصادر "إرم نيوز" إلى أن الأثر الأهم لهذه التشريعات يكمن في استدامتها، إذ تعتمد على منظومة قانونية مستقرة تستمر بغض النظر عن تغيّر الإدارات أو تبدل الأولويات السياسية على المستوى الفدرالي.
وهذا ما يمنحها وزنًا نوعيًا، لأنها تعيد صياغة البيئة التي تتحرك ضمنها الجماعة من الأسفل إلى الأعلى، وتفرض واقعًا يصعب الالتفاف عليه.
وكانت قد صنّفت ولاية فلوريدا، اليوم الثلاثاء، جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، كما وجّهت السلطات في فلوريدا جميع وكالاتها إلى اتخاذ كل التدابير القانونية لمنع أي نشاط غير مشروع للجماعة، بما يشمل حرمان أي جهة تقدّم دعمًا ماديًا لها من الامتيازات أو الموارد الحكومية، وفق السلطات في فلوريدا.
يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقع قبل أيام، أمرًا تنفيذيًا لمباشرة إجراءات تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان المسلمين "منظمات إرهابية أجنبية".
كذلك تؤكد المصادر أن إدارة ترامب الحالية تتعامل مع هذا الملف باعتباره جزءًا من مراجعة شاملة لملفات الأمن القومي، مضيفة أن العلاقة بين ما يجري في الولايات وبين توجهات الإدارة تأتي كعلاقة تقدم متزامن نحو الهدف نفسه، وبأدوات تكمل بعضها البعض.
فالإدارة تعمل على مستوى السياسة الخارجية والأمن القومي، فيما تتكفل الولايات بتثبيت أسس قانونية طويلة الأمد داخل بنيتها المحلية.
وفي ضوء هذا التوازي، تبدو الجماعة في موقع أكثر هشاشة مما كانت عليه في السنوات الماضية، خصوصًا مع انكماش شبكة تحالفاتها داخل المجتمع المدني الأمريكي وفقدانها القدرة على التأثير في الرأي العام المحلي.
من ناحيته، يعتبر دانيال كروفورد، الخبير الأمريكي المتخصص في شؤون التنظيمات العابرة للحدود داخل الولايات المتحدة، أن التطور التشريعي في فلوريدا وتكساس يعكس برأيه تحولًا متأخرًا لكنه ضروري في فهم طبيعة الجماعة داخل السياق الأمريكي.
ويضيف كروفورد في حديثه لـ"إرم نيوز" أنّ الإخوان "قدّموا أنفسهم طوال سنوات كجزء من معادلة التعددية الدينية والسياسية في أمريكا، لكن مراجعات الأجهزة المختصة وخبرات الولايات كشفت أن الجماعة تعتمد بنية مغلقة لا تتناسب مع بيئة سياسية تقوم على الشفافية والمحاسبة".
ويرى أن التشريعات الحالية "هي نتيجة مباشرة لتراكم طويل من المؤشرات حول طبيعة النشاط السياسي والمالي للإخوان داخل الولايات المتحدة".
ويتابع كروفورد قائلًا إنّ "الولايات بدأت استخدام أدواتها السيادية لسدّ الثغرات القانونية التي ظلّت مفتوحة لعقود، وهذا تغيير مهم لأن الأطر المحلية أكثر ثباتًا من السياسات الفدرالية التي قد تتبدّل بتغير الإدارات".
ويرى أن التقاء هذا المسار مع توجهات إدارة ترامب "يمهّد لمرحلة جديدة قد تجعل وجود الإخوان داخل الولايات المتحدة محاطًا بقيود غير مسبوقة، وربما يقود إلى إعادة فتح ملف التصنيف الشامل على المستوى الوطني".
ويختم الخبير الأمريكي رأيه بأن الجماعة "لم تتمكن من تطوير سردية مقنعة تخفف من القلق المتزايد تجاهها"، وأنّ البيئة الجديدة التشريعية والأمنية معًا ستجعل من الصعب جدًا على الإخوان استعادة أي نفوذ كانت قد بنته داخل المجتمع الأمريكي خلال السنوات الماضية".
في حين تشير المصادر الخاصة إلى أنّ المنظمات المرتبطة بالجماعة لم تعد قادرة على تقديم خطاب يحظى بثقة صناع القرار في الولايات التي اتجهت للتشريع ضدها.
وتضيف أن هذه الولايات تعتمد على تقارير أمنية وقانونية تراكمت خلال الأعوام الماضية، وتتضمن مراجعات تفصيلية لبنية الجماعة وسجلّها التنظيمي وأنماط عملها، ما يجعل التشريع المحلي نتيجة طبيعية لمسار طويل من التقييمات.
وترى هذه المصادر أن الإخوان لم يتمكنوا من تطوير نموذج سياسي أو اجتماعي يتوافق مع معايير الشفافية والاندماج في النظام الأمريكي، الأمر الذي جعلهم أقرب إلى ملف يُدرس ضمن سياق الأمن الداخلي وليس ضمن سياق التعددية السياسية.
ومن خلال تتبع المؤشرات الحالية، يتبلور مشهد سياسي وتشريعي جديد داخل الولايات المتحدة.
فالتوسع في التشريعات المحلية، والتوجهات المعلنة لإدارة ترامب، والدراسات الجارية داخل لجنة الأمن الداخلي، تشكّل معًا سياقًا متماسكًا يدفع نحو مرحلة أكثر صرامة في التعامل مع جماعة الإخوان.
ووفقًا للمصادر الأمريكية، فإن هذا المسار يفتح الباب أمام احتمالات جدية لإعادة النظر في التصنيف على المستوى الفدرالي خلال العام المقبل، من دون حاجة إلى أي تغييرات جذرية في البيئة السياسية، لأن الأرضية التشريعية باتت جاهزة وواسعة بما يكفي لدعم مثل هذا التحرك.
في ضوء هذه التطورات، تبدو الجماعة أمام منعطف مختلف تمامًا عما عرفته خلال العقد الماضي، إذ تتقدم الولايات وإدارة ترامب في الاتجاه نفسه، وتتشكل بيئة قانونية متماسكة تعيد صياغة موقع الإخوان داخل الولايات المتحدة بصورة أكثر صرامة واستمرارية من أي وقت سابق.