مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
أظهرت دراسة ألمانية حديثة أن الأحزاب الرئيسة في ألمانيا أسهمت، عن غير قصد، في تعزيز نفوذ اليمين المتطرف عبر السماح له بتحديد جدول الأعمال السياسي.
ووفقًا للبحث المنشور في المجلة الأوروبية للأبحاث السياسية، استند الباحثون إلى تحليل نصي آلي لأكثر من 520 ألف مقالة نشرتها ست صحف ألمانية خلال أكثر من عقدين، ليكشفوا أن الانتقال التاريخي لقضايا اليمين المتطرف من الهامش إلى قضايا مثل الهجرة والتكامل أجبر الأحزاب التقليدية على إعادة صياغة خطابها السياسي للتعامل مع هذه القضايا.
وأظهرت الدراسة أن التركيز الإعلامي المستمر على هذه القضايا، حتى عندما كانت الأحزاب تنتقد اليمين المتطرف، أسهم في تطبيع هذه الأفكار لدى الجمهور، ما وفر له شرعية ضمنيًا وأدى إلى توسيع دائرة تأثيره على الناخبين، بحسب صحيفة "الغارديان".
وقالت الباحثة تيريزا فولكر: "يلعب التواصل السياسي للأحزاب الرئيسة دورًا محوريًا في نجاح اليمين المتطرف، وقد تم التقليل من شأن هذا العامل تاريخيًا".
تبني خطاب اليمين المتطرف
ووجد البحث أن الأحزاب الألمانية، سواء كانت في السلطة أو المعارضة، غالبًا ما قامت بتبني خطاب اليمين المتطرف أو تقليده جزئيًا، خصوصًا في قضايا الهجرة.
وقد أدى هذا السلوك إلى ما وصفه الباحثون بـ "غرفة صدى" تعمل على تضخيم رسائل اليمين المتطرف، وحتى الأمثلة الرسمية كانت واضحة: ففي مقابلة عام 2023، دعا المستشار الألماني أولاف شولتس إلى تسريع عمليات ترحيل غير الشرعيين، وهو خطاب يكاد يوازي خطاب اليمين المتطرف نفسه.
وبحسب دانيال سالديفيا غونزاتي، الباحث المشارك في الدراسة، فإن هذه الديناميكية تتكرر في أنحاء أوروبا، حيث يتبنى القادة أحيانًا لغة اليمين المتطرف لتعزيز رسائلهم أو كاستجابة لضغوط الرأي العام، لكنها في الواقع تعزز موقع اليمين المتطرف الانتخابي.
وأوضحت الدراسة أن تأثير اليمين المتطرف لا يقتصر على الأحزاب اليمينية فقط، بل يشمل أيضًا الأحزاب المعتدلة والمعارضة، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويحول السيطرة على الخطاب إلى ساحة صراع مفتوحة بين الأحزاب وبين الفاعلين السياسيين أنفسهم.
الديمقراطية الأوروبية على المحك
وتسلط الدراسة الضوء على تداعيات هذا التطبيع على الديمقراطية الأوروبية، موضحة أن استمرار الأحزاب الرئيسة في الاستجابة لأجندة اليمين المتطرف يمكن أن يغير أولويات الناخبين ويعزز فرص الأحزاب المتطرفة في صناديق الاقتراع.
وأشار الباحثون إلى أن استجابة الأحزاب المعتدلة للخطاب المتطرف تجعل من الصعب على الجمهور تمييز الخطاب المعتدل عن المتطرف، مما يؤدي إلى تهجين الخطاب السياسي حول قضايا حساسة مثل الهجرة والتكامل الثقافي.
كما حذر الباحثون من أن هذه الديناميكية قد تتجاوز ألمانيا إلى بلدان أوروبية أخرى، باستثناء بعض الدول الشمالية حيث تجاوز اليمين المتطرف المرحلة الأولى المرتبطة بالقضايا الثقافية وانتقل إلى نطاق أوسع من الموضوعات السياسية.
وقالت فولكر: "بمجرد أن تتبنى جميع الأحزاب الرئيسة بعضًا من أجندة اليمين المتطرف، يتجاوز تأثيره مجرد موضوع الهجرة ويصبح جزءًا من الخطاب العام".
في ختام الدراسة، شدد الباحثون على أن الحل يكمن في قيام الأحزاب الرئيسة بصياغة خطابها المستقل وعدم ملاحقة خطاب اليمين المتطرف بشكل مفرط، معتبرين أن "الأمر أشبه برقصة؛ إذا كان قائد الأوركسترا يمينيًا متطرفًا وتفاعلت معه باستمرار، فلن تتمكن من تحديد أي موسيقى يجب أن تُعزف".