كشف تقرير حديث أن حكومة المستشار الألماني فريدريش ميرتس تسعى لإبرام اتفاق مع حركة طالبان لترحيل المهاجرين الأفغان إلى أفغانستان، في خطوة أثارت جدلًا دوليًا واسعًا حول حدود الواقعية السياسية وأخلاقيات حقوق الإنسان.
وبحسب "بوليتيكو"، فإن ألمانيا على الرغم من أنها لا تعترف رسميًا بحكومة طالبان، فإن هذا لم يمنع برلين من التعامل مع نظامها لتحقيق مصالحها، خصوصًا في ظل تصاعد ضغوط الداخل الألماني من الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" (AfD).
من جانبه أوضح وزير الداخلية الألماني ألكساندر دوبريندت أن الحكومة ستبرم قريبًا اتفاقًا يسمح بترحيل الأشخاص إلى أفغانستان على رحلات مجدولة، وقد عقدت الوزارة محادثات تقنية مع السلطات في كابول لضمان تنفيذ هذه الخطط، وفي البداية، ستقتصر الترحيلات على الأفغان المدانين بارتكاب جرائم، لكن الحكومة لم تستبعد لاحقًا ترحيل أفغان دون وضع حماية قانونية.
وقد قامت الحكومة الألمانية بالفعل بترحيل 81 أفغانيًا مدانين بجرائم إلى أفغانستان خلال الصيف، لتصبح أول دولة أوروبية تنفذ ترحيلًا جماعيًا كبيرًا إلى أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، بعد أن كانت رحلات الترحيل السابقة تتم عبر وساطة قطرية.
والآن، تحاول ألمانيا التعامل مباشرة مع طالبان لزيادة عدد الرحلات، وفي خطوة غير مسبوقة، سمحت السلطات الألمانية لممثلي طالبان بالعمل في القنصليات الأفغانية داخل ألمانيا، لتصبح أول دولة أوروبية تقوم بذلك، فيما يبدو أن دولًا أخرى قد تحذو حذوها قريبًا.
ويؤكد الخبراء أن حكومة ميرتس تسعى حاليًا لقيادة جبهة أوروبية ضد الهجرة، مبتعدة عن سياسات مرحبة طالما ميّزت ألمانيا في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، ويرى سياسيون ألمان أن هذه السياسات أدّت إلى صعود الحزب اليميني المتطرف AfD، الذي بات أكبر أحزاب المعارضة.
كما أن التحول الحاد في السياسة، أدى إلى اعتماد ألمانيا على نهج عملي للتواصل مع طالبان، بما في ذلك السماح لمسؤولين من طالبان بالانخراط في إدارة القنصليات الأفغانية داخل البلاد، في خطوة تمثل نصرًا واضحًا لحركة طالبان التي كانت تسعى لاستعادة السيطرة على البعثات الدبلوماسية الأفغانية بعد استيلائها على الحكم في 2021.
ويرى محللون أن السماح لمسؤولي طالبان بالوجود في القنصليات قد يكون بداية لمطالب إضافية من طالبان مقابل تعاونها على ترحيل المهاجرين، وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أستراليا الوطنية ويليام مالي، إن الحكومة الألمانية "قد تحترق أصابعها" نتيجة هذه الخطوة.
من جهته قال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، عبدالمتين قاني، إن التعاون مع الحكومة الألمانية سار في أجواء إيجابية، وأضاف أن الحكومة مستعدة للتعامل بصرامة مع الأفغان المدانين بجرائم في الخارج، مشيرًا إلى أن الترحيلات ستتم وفق الشريعة الإسلامية.
وانتقدت مجموعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة خطط الترحيل، معتبرة أنها تعرض المهاجرين لمخاطر التعذيب أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية، وهو ما ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية الدولي.
كما أبدى بعض المسؤولين السابقين في البعثات الدبلوماسية مخاوفهم من وصول طالبان إلى بيانات حساسة عن المواطنين الأفغان المقيمين في أكثر من 20 دولة، تشمل معلومات حول الأشخاص الذين تم إجلاؤهم أو برامج إعادة التوطين، وهو ما قد يمكّن طالبان من تتبع معارضيها وعائلاتهم.
ورغم المخاطر، تواصل طالبان الضغط لتثبيت وجودها في القنصليات الألمانية؛ حيث يخطط المسؤولون قريبًا لرفع العلم الأبيض والأسود لحركة طالبان، مما يمنحهم حضورًا رمزيًا وماديًا في قلب أوروبا، في خطوة تعكس تحولًا جذريًا في السياسة الألمانية تجاه حكومة تعتبرها معظم الدول الغربية منبوذة.