وسط التوترات المتزايدة داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، يجد رئيس الوزراء ميشيل بارنييه نفسه في مواجهة تحدٍ كبير لتوحيد صفوف النواب الداعمين له في البرلمان.
ومع تزايد الانقسامات حول مشروع ميزانية 2025، تبدو جهود بارنييه لتعزيز التنسيق بين الكتل البرلمانية مهددة، في وقت ينتقد فيه بعض أعضاء البرلمان أسلوب إدارته لهذه الخلافات.
ويبين المحلل السياسي الفرنسي في معهد الدراسات البرلمانية الفرنسية، فيليب روبيه، لـ"إرم نيوز" أن الأزمة الحالية في فريق بارنييه نابعة من ضعف التماسك الداخلي وعدم استخدام أدوات الضغط الحكومية بفعالية مثل المادة 49.3، التي كانت لتُظهر موقف الحكومة الحازم تجاه المعارضة وتضعف من نفوذها في المجلس.
واعتبر روبيه أن بارنييه يتجنب استخدام هذه الأدوات تجنبًا للانتقادات، لكنه بذلك يخاطر بتراجع الدعم الحكومي داخل البرلمان.
وأضاف: "عدم استخدام المادة 49.3 في قضايا هامة كالميزانية قد يُنظر إليه على أنه تهاون، ودون تغيير هذا النهج، سيظل بارنييه عرضة لفقدان الثقة من قبل داعميه وإعطاء مساحة واسعة للمعارضة لتوسيع نفوذها".
بدورها، قالت الباحثة في مركز الدراسات السياسية والعلاقات الحكومية في باري: ماريان لوفران، لـ"إرم نيوز" إن ما يواجهه بارنييه يعكس تدهورًا متزايدًا في الانضباط داخل "الكتلة المشتركة".
وتعتقد أن الانقسامات الواضحة بين الأحزاب الداعمة للحكومة سببها عدم وجود رؤية موحدة وتنسيق قوي حول الأولويات التشريعية.
وأضافت: "محاولة بارنييه توحيد صفوف الأحزاب المساندة له من خلال لقاءات محدودة ليس كافيًا، بل يحتاج إلى إستراتيجية شاملة تعتمد على التفاعل المستمر مع النواب والتأكد من إيصال رسائل قوية تُظهر التزام الحكومة بآرائهم".
وترى أن أسلوب بارنييه قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في قدرته على إقرار القوانين الهامة إذا لم يُحدث تغييرات ملموسة في منهجه.
يبدو أن ميشيل بارنييه، يواجه تحديات كبيرة في محاولاته لتوحيد "الكتلة المشتركة" من الأحزاب التي تدعم حكومته داخل البرلمان.
وفي ظل انقسامات داخلية حول مشروع الميزانية العامة، يسعى بارنييه لعقد اجتماعات مشتركة تجمع أعضاء الأحزاب الداعمة له، ومن ضمنهم نواب "النهضة" و"موديم" و"آفاق" و"اليمين الجمهوري" الذي ينتمي لحزب "الجمهوريين".
وفي 13 نوفمبر، ستشهد لجنة الشؤون الاقتصادية أول لقاء مع رئيس الوزراء في إفطار يجمع نواب هذه الأحزاب، كخطوة أولية لتعزيز التنسيق.
تأتي هذه المبادرة وسط انقسامات واضحة في "الكتلة المشتركة" أثناء مناقشة ميزانية 2025، ما يعكس ضعف التنسيق ويثير الانتقادات ضد بارنييه.
فقد أعرب لودوفيك مينديس، النائب عن حزب النهضة، عن استيائه قائلاً: "لماذا نكون في مقاعد الجمعية إذا كنا لا نشعر بأن أصواتنا مسموعة؟".
وقد تزايدت شكاوى النواب بسبب قلة التواصل وعدم استشارتهم بشكل كافٍ حول بنود الميزانية.
ترجمت حالة الانقسام إلى هزائم رمزية للحكومة، كان أبرزها تصويت البرلمان في 4 نوفمبر على الموافقة على تعديلات قانون تمويل الضمان الاجتماعي، والتي أدخلتها المعارضة اليسارية لتغيير مقترحات حول إصلاح نظام التقاعد.
ثم تكرر الأمر في 8 نوفمبر، عندما صوت البرلمان لصالح فرض مجموعة جديدة من الضرائب، مثل ضريبة على الدراجات النارية ذات الأصوات العالية وضريبة على إعادة شراء الأسهم، وذلك بدعم من اليسار و"التجمع الوطني"، في تحدٍ واضح لرغبة الحكومة.
يواجه بارنييه انتقادات لعدم استخدامه المادة 49.3 من الدستور، التي تتيح للحكومة تمرير مشروع قانون دون تصويت.
وأبدى إيريك فيرث النائب عن "النهضة" غضبه قائلاً: "هل من الضروري أن نتلقى الضربات من المعارضة ثم نقدم لهم فرصة أخرى؟".
هذه الانتقادات تشير إلى شعور متزايد بين النواب بأن الحكومة تتهاون في الدفاع عن مواقفها.
في مكتب رئيس الوزراء، يدافع المقربون من بارنييه عن أسلوبه في التعامل، ويشيرون إلى أنه حضر اجتماعات مع كل كتلة من "الكتل المشتركة" في الأسابيع الأخيرة، كما أنه يعقد لقاءات أسبوعية مع رؤساء الأحزاب الداعمة له في مقر رئاسة الوزراء.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الجهود لم تمنع استمرار التوترات، ما يضع بارنييه أمام اختبار حقيقي حول قدرته على إدارة التحديات البرلمانية الراهنة وتوحيد صفوف الحكومة في وجه المعارضة المتزايدة.