logo
العالم
خاص

من الكاريبي إلى أوكرانيا.. هل يفتح ترامب جبهات متزامنة لإعادة ترتيب النفوذ؟

بوتين ونظيره الفنزويلي مادوروالمصدر: (أ ف ب)- أرشيفية

تتجه الأنظار، في الأيام الأخيرة، إلى فنزويلا بوصفها إحدى ساحات التوتر الأكثر سخونة في المشهد الدولي، مع تصاعد واضح في مستوى الإجراءات الأمريكية واتساع نطاقها، لكن التطورات المتلاحقة لا يمكن فصلها عن سياق دولي أوسع يشهد إعادة تموضع للقوى الكبرى، وتقدّماً في ملفات أخرى لا تقل حساسية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا

فنزويلا في قلب إعادة ترتيب النفوذ

في هذا المناخ المشحون، تتحول فنزويلا من ملف مزمن في السياسة الأمريكية إلى عنصر فاعل في معادلة ضغط أوسع، تُدار فيها الأزمات بتوقيت محسوب وبأدوات تتجاوز منطق العقوبات التقليدية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول طبيعة المرحلة المقبلة وحدود التصعيد المحتمل.

ضمن هذا السياق، يكتسب التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا دلالات تتجاوز حدود الكاريبي، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية أوروبية "إرم نيوز".. فاختيار هذا التوقيت، وشكل الأدوات المستخدمة، وطبيعة الرسائل المرافقة له، كلها عناصر توحي بأن واشنطن تتحرك ضمن مشهد دولي أكثر تشابكاً، حيث تتقدم ملفات كبرى إلى مراحل حاسمة، وفي مقدمتها أوكرانيا.

التحول في سلوك إدارة ترامب يبدو متوجهاً نحو فتح مسار تصعيد محسوب، يرفع مستوى الضغط ويُبقي في الوقت نفسه على خيارات ميدانية أعلى من دون اللجوء إليها فوراً.

هذا التداخل بين الساحات يعيد طرح فنزويلا بوصفها جزءاً من معادلة أوسع لإدارة النفوذ والمقايضات الدولية.

في المقابل، تبدو موسكو حاضرة في المشهد بقدر من التحفظ المحسوب، فالدعم الروسي لفنزويلا لم يتراجع على المستوى الخطابي أو السياسي، لكنه لم يتحول أيضاً إلى خطوات ردعية توازي مستوى التصعيد الأمريكي.

هذا السلوك لا يمكن اعتباره غياب اهتمام، بقدر ما يعكس ترتيباً للأولويات في مرحلة دولية مفصلية. أوكرانيا تبقى الساحة الأكثر حساسية بالنسبة للكرملين، وما يتصل بها من حسابات عسكرية وسياسية وإستراتيجية يتقدم على ملفات أخرى، حتى تلك التي تمثل نقاط نفوذ رمزية في الفضاء الأمريكي اللاتيني. 

أخبار ذات علاقة

ستيفن ميلر

مستشار ترامب: فنزويلا "سرقت" صناعة النفط الأمريكية

فرض وقائع جديدة

وقال مصدر دبلوماسي أوروبي مطّلع، لـ"إرم نيوز" إن التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا يأتي في إطار مسار قائم منذ فترة، مشيراً إلى أن "إدارة ترامب انتقلت في هذه المرحلة إلى استخدام أدوات أكثر وضوحاً وقسوة، بعد أن استنفدت مراحل الضغط السياسي والاقتصادي التقليدي".

وأضاف المصدر أن "واشنطن تتعامل مع الشأن الفنزويلي كملف إستراتيجي طويل الأمد"، لافتاً إلى أن "التحول الحالي يعكس قراراً أمريكياً برفع سقف الضغط، لا لاختبار ردود الفعل، وإنما لفرض وقائع جديدة في ساحة تعتبرها الولايات المتحدة جزءاً من مجال نفوذها المباشر".

وتابع أن "التزامن بين تشديد الإجراءات ضد فنزويلا والتطورات الجارية في أوكرانيا يندرج ضمن إدارة أمريكية متعمّدة لملفات متوازية"، موضحاً أن "الربط بين الساحتين لا يُطرح على شكل تفاهمات معلنة، لكنه حاضر في الحسابات السياسية العامة، سواء في واشنطن أو في عواصم أخرى".

ضبط سقف المواجهة

وفيما يتصل بالموقف الروسي، أوضح المصدر أن "موسكو تنظر إلى التصعيد الأمريكي في فنزويلا بواقعية سياسية"، مشيراً إلى أن الدعم الروسي لكراكاس مستمر على المستوى السياسي، لكنه لا يُترجم تلقائياً إلى مواجهة مباشرة، في ظل انشغال الكرملين بساحات يعتبرها أكثر حساسية وأعلى أولوية.

وأشار إلى أن "غياب رد روسي تصعيدي يعكس ترتيباً للأولويات في مرحلة دولية مزدحمة"، مضيفاً أن "فنزويلا، على الرغم من رمزيتها السياسية، لا تُقارن من حيث الأهمية الإستراتيجية بساحات مثل أوكرانيا".

وأوضح المصدر أن "واشنطن تعتمد تصعيداً متدرجاً ومفتوح السقف، يترك المجال للانتقال إلى مراحل أعلى إذا اقتضت التطورات ذلك".

وختم بالقول إن "أي تغيير في توازنات الملفات الكبرى، وفي مقدمتها أوكرانيا، سيؤثر حكماً في شكل ومستوى التصعيد الأمريكي في ساحات أخرى".

حسابات الربط بين الساحات

من جانبه، يرى الباحث السياسي نادر الحسين، المتخصص في تحليل السياسات الدولية وتقاطعات النفوذ، أن تصاعد الضغط الأمريكي على فنزويلا لا يمكن فصله عن منطق المقايضة الذي يحكم إدارة الأزمات الكبرى، خصوصاً حين تتزامن ملفات حساسة في أكثر من ساحة.

ويقول خلال حديثه لـ"إرم نيوز" إن "السياسة الدولية تُدار عملياً عبر ربط الملفات"، موضحاً أن "القوى الكبرى تتعامل مع الأزمات كشبكة مصالح متداخلة، يُفتح فيها هامش الحركة في ساحة مقابل ضبط الإيقاع في ساحة أخرى". 

من هذا المنطلق، يضيف أن "التصعيد الأمريكي في فنزويلا يأتي في مرحلة تعرف فيها واشنطن أن موسكو منهمكة حتى العظم في أوكرانيا، وأن قدرتها على الرد خارج هذا المسرح محكومة بحسابات دقيقة".

ويتابع الحسين أن "فنزويلا لا تشكّل أولوية وجودية لروسيا، لكنها تمثل ورقة نفوذ يمكن استخدامها أو تجميدها بحسب السياق"، مشيراً إلى أن الكرملين قد يقبل عملياً بتصعيد أمريكي مضبوط في الكاريبي، طالما أن ذلك لا يتحول إلى سابقة تُهدد موقعه في أوكرانيا أو تُستخدم ضده في ساحات أكثر حساسية.

ويضيف أن "المقايضة هنا لا تعني صفقة مكتوبة أو تفاهمات معلنة، بل إدارة متبادلة للحدود"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة تدرك أن توسيع الضغط على فنزويلا يرسل رسالة مزدوجة: تذكير موسكو بقدرتها على إزعاجها خارج أوروبا، وفي الوقت نفسه إبقاء باب التفاهم مفتوحاً في الملف الأوكراني".

بين الضغط الدولي وإعادة ترتيب الإقليم

بدوره، يقدّم المحلل الكولومبي المتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية خوان كارلوس ميندوثا، قراءة مختلفة تنطلق من خصوصية الإقليم وموقع فنزويلا فيه. ويعتبر ميندوثا أن "التصعيد الأمريكي لا يُنظر إليه فقط من زاوية العلاقة مع روسيا أو أوكرانيا، إنما من زاوية إعادة ضبط النفوذ الأمريكي في أمريكا اللاتينية بعد سنوات من التراخي النسبي".

ثروات فنزويلا

ويقول خلال حديثه لـ"إرم نيوز" إن "واشنطن تنظر إلى فنزويلا بوصفها عقدة سياسية وأمنية تؤثر في كامل الإقليم، من الهجرة إلى شبكات التهريب والطاقة"، مضيفاً أن تشديد الضغط عليها في هذا التوقيت يعكس رغبة أمريكية في استعادة زمام المبادرة إقليمياً، أكثر مما يعكس استعجالاً لحسم عسكري.

وعن احتمالات المقايضة الدولية، يوضح ميندوثا أن "الولايات المتحدة لا تحتاج إلى تفاهمات صريحة مع موسكو كي تتحرك في فنزويلا"، معتبراً أن "التوازنات الدولية الحالية تسمح لواشنطن بالتصعيد طالما بقي مضبوطاً ولم يتحول إلى غزو أو انهيار شامل للدولة".

ويرى أن روسيا، في هذا السياق، قد تكتفي برفع كلفة الخطاب السياسي والدعم الرمزي، من دون الذهاب إلى مواجهة؛ لأن فنزويلا لا تشكل أولوية وجودية لها. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الصيني ونظيره الفنزويلي في لقاء سابق

الصين تعرب عن دعمها لفنزويلا ومعارضتها أساليب "الترهيب"

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC