لا يعود تاريخ المفاوضات بين واشنطن وطهران حول القدرات النووية إلى عهد "الجمهورية الإسلامية"، التي كانت منذ تشكّلها عدوًا مباشرًا للولايات المتحدة، بل تمتد إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان حليفًا وثيقًا لأمريكا، والغرب عمومًا.
ويعود موقف إيران "المتصلب" بشأن امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، إلى ما قبل قيام "الجمهورية الإسلامية"، إذ سبق أن خاض نظام الشاه مفاوضات شاقة مع واشنطن، مماثلة للتي تجري الآن مع نظام المرشد علي خامنئي، وفق تقرير لمجلة "فورين بوليسي".
وحين أبدى الإيرانيون اهتمامهم بشراء مفاعلات من الولايات المتحدة، كانت المفاوضات مع واشنطن أكثر صعوبة بكثير، فبعد "الانفجار النووي السلمي" الذي أجرته الهند في مايو/ أيار 1974، شددت واشنطن الرقابة على تصدير التقنيات الحساسة إلى الدول النامية، بما فيها إيران.
كان الأمريكيون قلقين بشأن ما قد يحدث إذا ما خلف نظام معادٍ الشاه، إذ حذرت مذكرة في يونيو/حزيران 1974 موجهة إلى وزير الدفاع جيمس شليزنجر من أنه "إذا سعت إيران إلى امتلاك قدرةٍ على صنع الأسلحة... فإن الإنتاج السنوي من البلوتونيوم من برنامج الطاقة النووية الإيراني المُخطط له، والذي تبلغ قدرته 20 ألف ميغاواط، سيعادل 600-700 رأس حربي".
كما كان الأمريكيون قلقين أيضًا بشأن النوايا الحقيقية للشاه، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 1977، حذّر الطبيب النفسي في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جيرولد بوست، في مذكرة سرية للغاية من أن الوكالة تفتقر إلى الثقة بالتزامات الشاه المتعلقة بالأسلحة النووية، وبحلول عام 1978، كان الجيش الإيراني، يُجري أبحاثًا مُتعلقة بالأسلحة النووية بتكتم.
تمحور الخلاف الجوهري بين طهران وواشنطن حول إعادة معالجة البلوتونيوم، أي الاستخلاص الكيميائي للبلوتونيوم من الوقود النووي المُستهلك، والذي يُمكن استخدامه بعد ذلك في تطوير أسلحة نووية.
وضغطت الولايات المتحدة على حليفها الوثيق، الشاه، لإظهار "روح رجل الدولة" على المسرح العالمي من خلال التخلي عن خطط إعادة المعالجة الوطنية وقبول حق النقض الأمريكي بشأن كيفية تعامل إيران مع الوقود المستنفد من المفاعلات التي تزودها الولايات المتحدة.
ولعبت القومية النووية دورًا في تعنت طهران في المحادثات النووية، وقد عبّر كبير المسؤولين النوويين بعهد الشاه أكبر اعتماد بإيجاز عن ذلك عندما أكد علنًا أنه "لا ينبغي لأي دولة أن تعتقد أن لها الحق في إملاء سياستها النووية على دولة أخرى"، وكان الشاه صريحًا بالقدر نفسه، إذ اشتكى للمسؤولين الأمريكيين قائلًا: "أنتم تطلبون منا ضمانات تتعارض مع سيادتنا".
في نهاية المطاف، وافق نظام الشاه في فبراير/ شباط 1977، على تقليص مطالبه المتعلقة بإعادة المعالجة مقابل منحه الولايات المتحدة وضع "الدولة الأكثر رعاية"، ما يضمن حصوله على معاملة متساوية في التعاون النووي مع شركاء الولايات المتحدة الآخرين، ورغم توقيع اتفاقية نهائية في يوليو/ تموز 1978 لبيع المفاعلات النووية، إلا أنها لم تُنفذ قط بسبب الاضطرابات السياسية التي بلغت ذروتها بإطاحة الشاه في فبراير/ شباط 1979.
عندما ورثت "الجمهورية الإسلامية" البرنامج النووي للشاه، أوقفته في البداية وقلصت أنشطته، ولكن سرعان ما استأنفت جهودها عام 1982، متبعة في نهاية المطاف مسارًا يعكس طموحات سلفها، وعلى عكس توقعات الكثيرين، اكتسبت إيران قدرة تخصيب اليورانيوم بحلول صيف عام 1999، ووسّعتها باطراد منذ ذلك الحين، وسعت إلى استخدام برنامجها النووي كورقة مساومة للحصول على تنازلات اقتصادية وتجارية من الغرب.