كان العرض العسكري الضخم الذي شهدته الصين أخيرًا إعلانًا "غير رسمي" عن بدء الحرب الباردة "الثانية"، بحسب وصف موقع "ناشيونال سكيورتي جورنال"، نقلًا عن خبراء ومراقبين.
والحدث الذي استضاف خلاله الرئيس الصيني، شي جين بينغ، زعيمي روسيا فلاديمير بوتين، وكوريا الشمالية كيم جونغ أون، وُصف رسميًا كنصب تذكاري للانتصار في "الحرب العالمية ضد الفاشية".
كما حمل في طيّاته ملامح "معادية" واضحة، فقد اصطف الجنود في خطوات متزامنة وعرضت أسلحة متطورة، في استعراض قوة يعكس تحديًا صريحًا للنظام الدولي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة.
ويُشكل ما يُطلق عليه الغرب "محور الاضطرابات"، الذي يضم الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، كتلة من الأنظمة التي تتحدى بشكل متزايد النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وتتشارك هذه الدول في رفضها للهيمنة الأمريكية، ساعية لتحقيق أهداف توسعية، كما يتضح في طموحات روسيا في أوكرانيا والصين في تايوان، بحسب "ناشيونال سكيورتي جورنال".
وعلى الرغم من أن تعاونها يبدو حاليًا أكثر براغماتية منه أيديولوجيًا، يتزايد التنسيق بينها، بحيث تدعم الصين وكوريا الشمالية جهود روسيا في أوكرانيا، ما يعزز من تماسك المحور أمام الغرب.
ويصف السيناتور الأمريكي، ميتش ماكونيل، هذا التحالف بأنه "أكبر تهديد للولايات المتحدة منذ قرن"، وهو وصف يعكس القلق المتزايد من هذا التحدي الذي يواجه النظام الدولي الليبرالي منذ نهاية الحرب الباردة الأولى عام 1990.
وبعد عقود من الهيمنة الأمريكية التي دعمت الديمقراطية والتجارة الحرة، يبرز الآن تنافس جديد بين القوى العظمى، مدفوعًا بالقوة الاقتصادية الصينية الهائلة.
في التسعينيات، راهنت الولايات المتحدة على أن دمج الصين في الاقتصاد العالمي، عبر انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية بدعم من الرئيس السابق، بيل كلينتون، سيؤدي إلى تحريرها سياسيًا.
وكان هذا التوقع مستندًا إلى تجارب دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية، فقد أدى التحرير الاقتصادي إلى انفتاح سياسي، لكن هذه الاستراتيجية فشلت مع الصين، فبدلًا من أن تصبح دولة ليبرالية، تحولت الصين إلى قوة غنية وأكثر تهديدًا.
كما غذى هذا التحول قدرات بكين على تحدي النظام الدولي، فقد أصبحت القوة الاقتصادية الصينية الداعم الأساسي لـ"محور الاضطرابات".
تحت قيادة شي جين بينغ، تحوّلت الصين إلى دولة مراقبة شديدة التسلط، مع ضغوط متزايدة على جيرانها، خاصة في بحر الصين الجنوبي وتايوان، وهذا التحول يعيد إلى الأذهان ديناميكيات الحرب الباردة الأولى، فقد كان التوسع السوفيتي ونموذج الدولة البوليسية مصدر تهديد للغرب.
وبحسب "ناشيونال سكيورتي جورنال"، تتشارك الصين وروسيا وكوريا الشمالية سمات مشابهة، كالقومية، وعسكرة واسعة النطاق، وسيطرة أورويلية على المجتمع، لكن هذه الدول، بدعم من القوة الاقتصادية الصينية، تتحدى النظام الدولي الليبرالي بطريقة لم تشهدها الساحة العالمية منذ عقود.
ورغم أن الأسلحة النووية قد تمنع نشوب حرب شاملة، كما حدث خلال الحرب الباردة الأولى، فإنها لن توقف الانزلاق نحو صراع طويل الأمد بين نظامين سياسيين متعارضين.
ويخلُص التقرير إلى أن الصين، بثروتها الاقتصادية الهائلة، تمتلك القدرة على خوض هذا الصراع لعقود، على عكس الاتحاد السوفيتي الذي انهار تحت وطأة ضعفه الاقتصادي، ما قد يعني إعلانًا غير رسمي لبدء الحرب الباردة الثانية، بظهور قوة موازية تهدد النظام العالمي القائم.