ذهب خبراء إلى أن إصدار القضاء التركي أحكاما بالسجن على عناصر الحدود "الجندرما" على خلفية مقتل وتعذيب لاجئين سوريين يحمل عدة رسائل من أنقرة إلى الداخل والخارج، أولها تخفيف الضغط الحقوقي من قبل المنظمات الدولية بسبب هذه الممارسات التي تفضحها تقارير فيلمية بالصوت والصورة.
وبحسب الخبراء لـ"إرم نيوز"، فإن الرسالة الثانية، موجهة إلى الداخل، بهدف تكوين "صورة ذهنية" للشارع التركي تقول إن القضاء حر وغير مسيس، لتمهيد أرضية لما هو متوقع من إصدار أحكام قاسية بالسجن على المعارض البارز ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
ورجح الخبراء، أن من دوافع صدور تلك الأحكام أيضا، وجود مخاوف من أن تطال تلك الاتهامات أشخاصا بارزين في النظام التركي؛ ما جعل الذهاب لمحاكمة عناصر "الجندرما" ضروريا ليكونوا "كبش فداء" لهم على الجرائم الوحشية مع اللاجئين السوريين التي تمت بأوامر من هؤلاء المسؤولين.
وكانت المحكمة العليا في ولاية هاتاي التركية أصدرت مؤخرا حكما قاسيا بالسجن المؤبد مرتين على 4 من عناصر الجندرما، بعد إدانتهم بتعذيب لاجئين سوريين حتى الموت داخل مركز حدودي في قضاء الريحانية خلال مارس/ آذار 2023، في ظل ممارسات ضرب بعنف، وإجبارهم على شرب المازوت، ودفن سري لجثةٍ وإلقاء أخرى أمام مركز ترحيل.
تسييس المحاكم
ويقول المختص في الشأن التركي حسين عمر، إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن القضاء ليس حرا بشكل كامل في تركيا وذلك منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة، حيث انطلقت تغيرات جذرية في بنية القضاء حتى تحولت المحاكم بشكل كبير إلى أداة سياسية في سبيل تنفيذ أجندة الحزب الحاكم.
وأضاف عمر في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه في هذه المرحلة استطاعت تركيا أن تبسط تحكمها الكامل على الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع، في وقت بات فيه أغلب من يتولون المناصب المهمة غير الظاهرة في دمشق ممن ينتمون إلى جماعة "الإخوان المسلمين" أو فروعها، لذلك فإن قرار هذه المحكمة ليس رسالة فقط إلى الخارج التركي بمحاكمة من تورطوا في حوادث تعذيب وارتكاب جرائم في حق لاجئين سوريين من الشرطة وسط ضغط حقوقي دولي حول ذلك.
وبين عمر أن الرسالة الأهم للداخل التركي في ظل ما يجري من محاكمات لقادة المعارضة ورؤساء بلديات وتخبط كبير في البلاد، بالقول إن القضاء حر ومستقل، تمهيدا لإصدار حكم على المعارض أكرم إمام أوغلو بعقوبة سجن كبيرة، تسبقه واقعة محاكمة عناصر الشرطة للقول إن محاكمة أوغلو والحكم عليه غير مسيس.
وتابع عمر، أنه في كل الأحوال فإن حزب "العدالة والتنمية" يدير سوريا بآلة مخابراتية، وهذا ما يشكك في حقيقة مغزى هذه القرار القضائي، لاسيما أنه بحق عسكريين الذين قليلا ما يتم محاكمتهم في تركيا إلا من قاموا بانقلابات أو من يهددون استقرار النظام.
خطوة استباقية
وبدوره، أوضح المحلل السياسي السوري يعرب خيربك، أن القضية ليست جديدة حيث هناك تقارير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" منذ عام 2022 تؤكد إجبار السوريين بالقوة على النزوح وقيام عناصر "الجندرما" بممارسات غير إنسانية ممزوجة بالابتزاز بحقوق المهاجرين السوريين تحديدا عند دفعهم تجاه الحدود وتهديد أوروبا بهم.
ويؤكد خيربك في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن من ضمن الأسباب الأساسية لهذه المحاكمة، التماشي مع الضغط الحقوقي القانوني من قبل منظمات دولية في ظل تقارير غربية كاشفة وفضح أوروبي، لذلك كان لابد من خطوة استباقية من الحكومة التركية التي تدرك ما يجري من عمل دولي لتقليل نفوذها في سوريا، وهو ما أجبر أنقرة على القيام بهذه الخطوة للتأكيد على أن ما جرى عبارة عن حالات فردية ليس أكثر.
ويرى خيربك أن من دوافع صدور تلك الأحكام أيضا، وجود مخاوف من أن تطال تلك الاتهامات أشخاصا بارزين في النظام التركي؛ ما جعل الذهاب لمحاكمة عناصر "الجندرما" ضروريا ليكونوا "كبش فداء" لهم على الجرائم الوحشية مع اللاجئين السوريين التي تمت بأوامر من هؤلاء المسؤولين.
واستكمل خيربك بالقول، إن هذه المحاكمة تحمل أيضا رسائل طمأنة ودعم للسلطات الجديدة في دمشق مع توجه تركي لمراضاة بعض السوريين في ظل العمل على تعزيز الوجود التركي في سوريا، والأهم من ذلك التغطية على ما جري خلال الأيام الأخيرة في "باب الهوى" وتعاملهم لاسيما مع "قسد" وسط مقاطع فيديو تثبت عمليات إذلال وإهانة وتفتيش للهواتف، وهذا الأمر حمل تعاونا مشتركا بين قوى الحدود السورية والتركية.
