اعتبر خبراء سياسة فرنسيون أن الأزمة الحالية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمثل أخطر اختبار في العلاقات الثنائية منذ عقود، خاصة أنها تمس ملفًّا شديد الحساسية وهو الربط بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومعاداة السامية.
وتكشف الأزمة بين ماكرون ونتنياهو عن تصعيد خطير في معادلة الشرق الأوسط داخل الساحة الأوروبية؛ ففي حين تسعى فرنسا إلى لعب دور قوة توازن بين أمن إسرائيل وحقوق الفلسطينيين، يستخدم نتنياهو معاداة السامية كورقة ضغط دبلوماسي داخلي ودولي.
ويرى الخبراء أن هذه الاستراتيجية قد تعطي مكاسب آنية لإسرائيل، لكنها على المدى الطويل قد تزيد عزلة حكومتها وتدفع أوروبا نحو خطوات أكثر جرأة لصالح فلسطين.
وقال برونو تيرتريه نائب مدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس، لـ"إرم نيوز"، إن خطاب نتنياهو "ليس مجرد رد انفعالي، بل محاولة ممنهجة لإعادة صياغة السردية السياسية".
وأضاف أنه "من خلال اتهام ماكرون بإذكاء معاداة السامية، يسعى نتنياهو إلى أمرين متوازيين: أولًا، الضغط على باريس للتراجع عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل موعد سبتمبر في الأمم المتحدة، وثانيًا إرسال رسالة إلى الرأي العام اليهودي العالمي مفادها أن أي خطوة أوروبية بهذا الاتجاه هي تهديد مباشر للجاليات اليهودية".
ويؤكد تيرتريه أن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة؛ إذ "إنه يضعف الجبهة الغربية الموحدة، ويخلق شرخًا خطيرًا بين قوى تعتبر نفسها ديمقراطية، كما أنه يربط بشكل خطير بين معاداة السامية، وهي ظاهرة مرفوضة عالميًّا، وبين المسار السياسي الفلسطيني المشروع وفق قرارات الأمم المتحدة".
بدوره، قال دومينيك مويسي المستشار بارز في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، لـ"إرم نيوز"، إن ما يحدث "يتجاوز مجرد سجال دبلوماسي" بل هو انعكاس لـ"صدام رؤيتين استراتيجيتين".
ورأى مويسي أن "ماكرون يحاول التوفيق بين التزام فرنسا التاريخي بأمن إسرائيل وبين قناعتها العميقة بضرورة حل الدولتين. أما نتنياهو فيستخدم ورقة معاداة السامية لإحراج باريس داخليًّا وخارجيًّا، خصوصًا في ظل الوضع المتفجر في غزة والضغوط المتزايدة.
ويحذر مويسي من أن الأزمة قد تتحول إلى "قضية أوروبية داخلية"؛ لأن فرنسا ليست وحدها في مسار الاعتراف بفلسطين، بل يقف معها شركاء مثل إسبانيا وإيرلندا وربما دول أخرى، مشدداً أنه "إذا استمر نتنياهو في هذه اللهجة، فقد يدفع أوروبا بأكملها إلى موقف أكثر تصلبًا تجاه سياساته".
وفي رسالة رسمية لاذعة، اتهم نتنياهو ماكرون بـ"إشعال نار معاداة السامية في فرنسا"؛ بسبب دعوته للاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الفرنسي إلى "استبدال الضعف بالفعل" قبل موعد 23 سبتمبر 2025، أي رأس السنة اليهودية، وهو التاريخ الذي يتزامن مع ختام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تخطط باريس لتقديم الاعتراف.
الإليزيه رد بقوة واصفًا تصريحات نتنياهو بأنها "مغلوطة ودنيئة"، مؤكدًا أن الجمهورية الفرنسية "تحمي دائمًا أبناءها من اليهود"، ولن تقبل "أي دروس من أحد في هذا المجال".
وشدد وزير الشؤون الأوروبية، بنجامين حداد، على أن فرنسا لن تسمح بتسييس ملف معاداة السامية، وأنها من أكثر الدول تشددًا في مكافحته.
وتأتي هذه المواجهة في وقت حساس، إذ تعيش في فرنسا أكبر جالية يهودية في أوروبا (نحو 500 ألف شخص)، إلى جانب جالية عربية-مسلمة كبيرة، وهو ما يجعلها في قلب توتر الهويات، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.