الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تدخل المواجهة بين الولايات المتحدة وحكومة نيكولاس مادورو مرحلة جديدة أكثر حدّة، بعدما اتخذت واشنطن سلسلة من الإجراءات المتصاعدة التي تجمع بين التصنيف الإرهابي، والعقوبات المالية، والضغط العسكري، والمكافآت الضخمة، والقيود الدبلوماسية.
ورغم أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تعترف بنتائج الانتخابات الفنزويلية لعام 2024، فإن الأدوات المستخدمة خلال الأشهر الماضية توحي بأن واشنطن تعيد بناء سياسة "الخنق المتدرّج" التي استُخدمت سابقًا مع دول مصنّفة خصومًا، بحسب مجلة "نيوزويك".
تعدّد هذه الإجراءات، وتشابك أبعادها الأمنية والعسكرية والقانونية، تفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى قدرة مادورو على الصمود، وما إذا كانت واشنطن تهدف إلى تغيير سلوكه أو إسقاطه بالكامل.
تصنيف إرهابي يغيّر قواعد اللعبة
بدأت مرحلة التصعيد الحالية بخطوة ذات دلالات قانونية وسياسية واسعة، إذ صنّفت وزارة الخارجية الأمريكية "كارتل دي لوس سولس" كمنظمة إرهابية أجنبية، مؤكدة أن الكارتل مسؤول عن "العنف الإرهابي" وأنه متورط في تهريب المخدرات عبر نصف الكرة الأرضية.
وتزعم واشنطن أن مادورو نفسه يقود هذه الشبكة، وهو ما تنفيه كراكاس بشدة.
هذا التصنيف، الذي يندرج ضمن قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، يفتح الباب أمام ملاحقات جنائية موسعة لأي شخص يتعاون أو يمول الكارتل، ويتيح استخدام أدوات إضافية في الضغط المالي والاستخباراتي.
ويرى خبراء قانونيون أن التعامل مع الكارتلات بمنطق "المنظمات الإرهابية" يمثل تحولًا خطيرًا يسمح بمزيد من التدخلات الأمريكية.
وفي رد فعل شديد اللهجة، وصفت وزارة الخارجية الفنزويلية الخطوة بأنها "اختلاق سخيف"، مؤكدة أن واشنطن تستخدمها "لتبرير تدخل غير قانوني" بهدف إزاحة مادورو.
وترافق التصنيف مع عقوبات مالية سابقة كانت وزارة الخزانة الأمريكية فرضتها في يوليو، حيث جُمّدَت الأصول المرتبطة بالكارتل داخل الولايات المتحدة أو لدى أي مواطن أمريكي، مع تهديد المخالفين بعقوبات مدنية وجنائية؛ كما طالت العقوبات مسؤولين فنزويليين بارزين مرتبطين بمادورو.
ذراع عسكرية أكثر جرأة وضربات مثيرة للجدل
إلى جانب الضغوط القانونية، اتخذت الإدارة الأمريكية منحى أكثر هجومية على الأرض، فمنذ سبتمبر الماضي، نفذت واشنطن 21 ضربة جوية على سفن يُشتبه في تورطها بتهريب المخدرات في جنوب البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ؛ ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 83 شخصًا وفق الأرقام الرسمية الأمريكية.
ورغم أن الإدارة تعتبر هذه الضربات جزءًا من مكافحة الجريمة المنظمة، فإن خبراء دوليين ومسؤولين أمريكيين سابقين حذّروا من أنها قد تشكّل انتهاكًا للقانون الدولي، فضلًا عن محدودية فاعليتها على المدى الطويل.
وتزامن ذلك مع تعزيز عسكري أمريكي واسع في محيط فنزويلا، شمل وصول أكبر حاملة طائرات أمريكية، وقطع بحرية إضافية، وطائرات شبح، وآلاف العسكريين.
ويأتي هذا ضمن رؤية تعتبر أن الضغط العسكري هو جزء من إستراتيجية تهدف إلى محاصرة مادورو سياسيًّا واقتصاديًّا.
ورغم أن الرئيس دونالد ترامب قال إنه لا يستبعد هجمات برية، فإن الخبراء يرون أن غزوًا أمريكيًّا لفنزويلا يبقى مستبعدًا؛ لأنه يتعارض مع خطاب "أمريكا أولًا"، كما أنه يثير ذاكرة التدخلات العسكرية الأمريكية السابقة في بنما وأفغانستان وفيتنام؛ لكن السماح لوكالة المخابرات المركزية بتنفيذ عمليات سرية داخل البلاد يمثل تصعيدًا في مستوى الانخراط الخفي.
الضغوط المالية والدبلوماسية
إلى جانب البعد الأمني، فعّلت الولايات المتحدة أدوات دبلوماسية واقتصادية إضافية؛ فمنذ سنوات، فرضت واشنطن ودول غربية عقوبات على كيانات ومسؤولين فنزويليين، إضافة إلى ضوابط على تصدير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج إلى كاراكاس.
وفي خطوة أكثر رمزية وضغطًا، رفعت إدارة ترامب قيمة المكافأة المالية مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو إلى 50 مليون دولار، بعدما كانت إدارة بايدن رفعتها سابقًا من 15 إلى 25 مليونًا مع بدء ولاية مادورو الثالثة.
ويواجه الرئيس الفنزويلي اتهامات أمريكية تتعلق بالإرهاب المرتبط بالمخدرات منذ عام 2020.
كما أعلنت واشنطن مكافآت مماثلة بحق كبار معاونيه، من بينهم وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز، ووزير العدل ديوسدادو كابيو روندون.
وفي المسار الدبلوماسي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها ألغت نحو 2000 تأشيرة لمسؤولين فنزويليين لاتهامهم بالفساد وتقويض الديمقراطية.
وكانت إدارة ترامب فرضت قيودًا سابقة على التأشيرات، لكن الأرقام الجديدة تعكس تشديدًا مستمرًا.
بيئة إقليمية قابلة للانفجار
تجتمع الإجراءات الخمسة التي اعتمدتها واشنطن: التصنيف الإرهابي، العقوبات، الضربات العسكرية، المكافآت، والضغوط الدبلوماسية، لتصوغ أشد حملة أمريكية على فنزويلا منذ عقدين.
ومع أن غزوًا مباشرًا لا يبدو مطروحًا، فإن حجم التحركات العسكرية والسياسية والمالية يشير إلى أن واشنطن ترى في لحظة الضعف الاقتصادي والسياسي التي يعيشها مادورو فرصة لإعادة تشكيل المشهد في كراكاس.
ومع غياب قنوات حوار فعالة، وتزايد الاستقطاب الإقليمي، يبقى السؤال المطروح؛ هل يمكن لهذه الضغوط أن تغيّر حسابات مادورو؟ أو أنها ستدفع فنزويلا إلى مزيد من العزلة والتصلب، بما يفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب الفنزويلي؟