بينما ينصب التركيز على الضربات الموجعة التي تلقّتها فرنسا في غضون أشهر في القارة الإفريقية بعد تآكل نفوذها، يتم تجاهل قوى غربية أخرى تضيّع الفرصة تلو الأخرى في صمت.
من هذه الدول إيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا، التي تراجع حضورها العسكري في القارة.
وفي الربيع الماضي، دق قائد القوات المسلحة الأمريكية في إفريقيا الجنرال مايكل لانجلي ناقوس الخطر أمام أعضاء مجلس الشيوخ قائلًا: "لقد تلاشى النفوذ الأمريكي في القارة الإفريقية بسبب التضليل الروسي" حسب قوله.
والأمر الذي يعكس هذا الواقع الجديد بالنسبة للقوات الأمريكية هو إعلان لاحق للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" بتقييم استراتيجيتها العسكرية في غرب إفريقيا، ورغم الانسحاب القسري لقواتها من دول الساحل فإنها أبقت قنوات الحوار مفتوحة مع النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
وآخر قاعدة للطائرات من دون طيار أقدم الأمريكيون على إغلاقها كانت في أغاديز بالنيجر في سبتمبر أيلول، على خلفية تنديد نيامي باتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن.
وما زالت الولايات المتحدة تستطلع مع العديد من الدول في غرب إفريقيا طبيعة الشراكات الأمنية والعسكرية المقرر عقدها مع ساحل العاج وغانا وبنين، حيث ينتشر متطرفون من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم داعش وبوكوحرام عبر حدودها.
وتسعى واشنطن إلى إقامة شراكات مع الدول التي يُنظر إليها على أنها أكثر ارتياحًا للتعاون الأمريكي، خاصة بعدما أصبح وجود قواتها مزعجًا بالنسبة لتشاد التي طلبت رحيلها في المدة التي سبقت انتخابات مايو أيار الماضي.
ويتركّز الوجود الأمريكي العسكري الآن كثيرًا في جيبوتي، فمع استقلال هذه الدولة في سبعينيات القرن الماضي اعتمدت لمدة طويلة على علاقات شبه حصرية مع فرنسا لضمان حمايتها. أما اليوم، وإلى جانب الجنود الفرنسيين، فيتردد صدى أصوات الجنود الأمريكيين والصينيين والإيطاليين واليابانيين في البلاد.
وفي عام 2002، انتقلت الولايات المتحدة إلى جيبوتي، كجزء من خطة الحرب ضد الإرهاب، التي اشتدت منذ 11 سبتمبر أيلول 2001. واستقرت الوحدة الأمريكية في القاعدة السابقة للفيلق الأجنبي الفرنسي التي تستوعب اليوم 3000 جندي.
وتقول تقارير دولية إن جيبوتي هي المنصة العسكرية الرئيسية للولايات المتحدة في إفريقيا، والمسرح الثاني للعمليات الأمريكية بعد الشرق الأوسط.
ومثل القوى الأخرى هناك، تدفع الولايات المتحدة للدولة الجيبوتية إيجارًا سنويًا لاستغلال القاعدة، يبلغ نحو 63 مليون دولار.
ومنذ عام 2013، تم نشر 80 جنديًا إيطاليًا في جيبوتي لتقديم الدعم للعمليات الوطنية، وتلك التي يقوم بها حلفاؤهم في منطقة القرن الإفريقي.
ومع ذلك فإن تقلّص حضور القوات الأجنبية في القارة لا يقتصر على الأمريكيين بل يشمل الإيطاليين والألمانيين بشكل كبير في إفريقيا.
ورغم احتفاظ إيطاليا بوجود عسكري في النيجر، تبدو هذه الدولة الأوروبية غير قادرة على استغلال الفراغ الذي خلفته فرنسا، وفق محللين انتقدوا "خطة ماتي" التي يُروَّج لها كأساس للسياسة الإيطالية في القارة السمراء.
وتفتقر الخطة إلى التعاون العسكري وتركز على المشاريع الإنسانية والبنية التحتية، الأمر الذي يحد من قدرة إيطاليا على تقديم نفسها كبديل أوروبي موثوق به.
وفي مقابل تراجع النفوذ الغربي، خاصة الفرنسي والإيطالي، يتعاظم نفوذ موسكو وبكين في إفريقيا، من خلال تقديم مشاريع متكاملة تجمع بين المساعدات الاقتصادية والبنية التحتية والتعاون العسكري.
وبعد ساحل العاج اتخذت السنغال وتشاد قرارات جريئة بإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيهما، ما عدّ خطوة باتجاه استعادة السيادة وتوجيه رسائل إلى المستعمر السابق.