تشهد الإدارة الفيدرالية في الولايات المتحدة اضطرابًا غير مسبوق، بعد مرور 3 أشهر على عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم، إذ أُقيل ما لا يقل عن 132 ألف موظف حكومي، وفقًا لإحصاءات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز".
وشملت هذه الإقالات موظفين دائمين ومؤقتين، سواء من خلال خطط مغادرة طوعية مدفوعة أو عبر إلغاء مباشر للوظائف، لكن هذا الرقم لا يعكس سوى جانب من واقع معقد ومتغير، وفق تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية.
وذكرت "لوموند" أن إدارة ترامب، مدعومة بتأثير رجل الأعمال إيلون ماسك، تسعى لتسريح نحو 150 ألف موظف إضافي.
وقد اندلعت معارك قانونية أمام المحاكم الفيدرالية لمحاولة وقف هذه الإجراءات أو الحد منها.
وفي 8 أبريل/نيسان، أوقفت المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، تنفيذ قرار صادر عن قاضٍ فيدرالي في كاليفورنيا يقضي بإعادة أكثر من 16 ألف موظف تم فصلهم خلال فترة التجربة في وزارات وهيئات مختلفة، من بينها الدفاع، والخزانة، والزراعة، والطاقة، وشؤون المحاربين القدامى.
وبحسب معطيات متقاطعة، صدر أكثر من 40 حُكمًا فيدراليًا لتعليق قرارات الفصل مؤقتًا، إلا أن إدارة ترامب سارعت إلى الطعن فيها جميعًا.
وعلى إثر ذلك، تمت إعادة نحو نصف الموظفين المسرحين مؤقتًا، ووُضعوا في إجازات إدارية مدفوعة الأجر.
وتشير خريطة التسريحات إلى أن وزارات سيادية مثل الدفاع، والعدل، والخارجية كانت شبه محصنة، بينما تركزت الإقالات في الوزارات والهيئات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي.
ومن أبرز الأرقام:
وزارة الدفاع خسرت نحو 2% فقط من موظفيها البالغ عددهم 950 ألفًا.
وكالة "ناسا" تأثرت بنسبة أقل من 1%.
وزارة الخارجية فقدت أقل من 1% من موظفيها البالغ عددهم نحو 80 ألفًا.
وزارة الأمن الداخلي سجلت نسبة تخفيض لم تتجاوز 0.4%.
في المقابل، كانت هناك خسائر كارثية في مؤسسات أخرى:
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID): أكثر من 99% من موظفيها تم فصلهم.
إذاعة "صوت أمريكا": خسرت أكثر من 99% من العاملين لديها.
معهد خدمات المتاحف والمكتبات: تم تفكيكه بالكامل.
وزارة التعليم: إلغاء 46% من الوظائف الإدارية، وسط نوايا لإلغاء الوزارة بالكامل.
وزارة الصحة والخدمات الإنسانية: فقدت حوالي 24% من موظفيها.
وقضت محاكم اتحادية بإعادة بعض الموظفين المفصولين، إلا أن الإدارات المعنية لجأت إلى وضعهم في إجازات إدارية طويلة الأمد، ما اعتبره خبراء محاولة للالتفاف على أحكام القضاء.
وانقسمت الآراء بشأن هذه السياسات؛ فبينما يعتبرها أنصار ترامب خطوة ضرورية لتطهير "الدولة العميقة" وخفض النفقات، يرى معارضوه أنها تمثل تهديدًا خطيرًا للقدرات الإدارية للدولة، وقد تؤثر سلبًا على جودة الخدمات العامة والأمن الاجتماعي.
وردًا على هذه الإجراءات، قدم مشرعون من الحزب الديمقراطي وبعض الجمهوريين المعتدلين مشاريع قوانين لحماية الموظفين الحكوميين، وسط تصاعد الصراع داخل أروقة القضاء.
وتشير تقارير إلى أن الإدارة تخطط لاستهداف وكالات علمية ورقابية خلال الأشهر المقبلة، من بينها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، التي قد تُلغى بالكامل، ما يثير مخاوف بشأن مستقبل البحث العلمي ورصد التغير المناخي.
وخلصت "لوموند" إلى أن إدارة ترامب تسابق الزمن لإعادة تشكيل الجهاز الإداري وفق رؤيتها، لكن مراقبين يحذرون من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى شلل فعلي في قطاعات حيوية، وتفاقم الأزمات الإدارية في المستقبل القريب.