من سوريا إلى أوروبا وشمال إفريقيا، انتهجت روسيا، في انتصاراتها وتنازلاتها سياسة المرونة والتكيّف مع المستجدات الطارئة من خلال الموازنة بين المبادئ والوساطة، وهو ما جعلها تتجنب فقدان نفوذها في المناطق التقليدية، وفق ما أورده تقرير غربي.
وقال التقرير الذي نشره موقع "كونفيرسايشن" الأمريكي اليوم، إن أسطورة روسيا الموالية لـ"حلفائها" المزعومين، اصطدمت بالحكمة وضبط النفس اللذين أبدتهما في مواجهة سقوط بشار الأسد في سوريا، أما في أوروبا، قررت موسكو مقاومة النظام الذي فُرض عليها في أعقاب الحرب الباردة، حتى إنها غزت جارتها أوكرانيا.
وفي الشرق الأوسط، لا يتعلق الأمر بتشويه الواقع، بل ببساطة بالتكيف مع توازن القوى القائم، وفق "كونفيرسايشن".
ويسلط الموقع الضوء على الخطاب المعادي للغرب الذي يتعارض مع الشكوك المحيطة بالعلاقات الروسية الأمريكية الحالية، وبشكل أكثر تحديدًا التقارب المستمر مع الرئيس دونالد ترامب، التي يمكن من خلالها تحديد بعض سمات السياسة الروسية في المنطقة.
وتجمع التحركات الروسية بين الحوار مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، والأساليب التقليدية (العسكرية والدبلوماسية) والأدوات السرية (المرتزقة).
كما يُعدّ "الاقتصاد" في سياستها الخارجية، المُكرّس منذ نهاية الحقبة السوفيتية، والممتدّ إلى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عاملًا رئيسيًا في الاستراتيجية الروسية.
وحسب التحليل الأمريكي، تمكنت موسكو من التكيف المستمر مع واقع الشرق الأوسط وفي مقدمتها سقوط النظام السوري السابق، مثلما كان عليه الحال خلال الحقبة السوفيتية.
ومع ذلك تسبب ضعف "محور المقاومة" من إيران إلى شبكة الميليشيات الموالية لها، والتي تضم ميليشيا حزب الله اللبنانية والحكومة السورية السابقة، وتغيير النظام في دمشق في التأثير على مستقبل روسيا في البحر الأبيض المتوسط.
وأنهت السلطات السورية الجديدة العقد الذي يُنظم الإدارة الروسية لميناء طرطوس، غير أن الحوار مازال قائمًا مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، ولا يزال مستقبل روسيا في سوريا بعيدًا عن الحسم.
وفي سياقٍ اتسم بالحرب في أوكرانيا، كانت أولويات موسكو واضحة، وهي بين توطيد العلاقة مع أنقرة رغم الاختلافات، في سوريا كما في ليبيا، التي تشمل جانبًا اقتصاديًا وطاقيًا هامًا (السياحة، وإمدادات الغاز، والشراكة في القطاع النووي المدني)، والدعم المكلف والعقيم لقوة سورية عاجزة عن استعادة كامل الأراضي، ومكروهة من شريحة كبيرة من السكان، أصبح الخيار واضحًا وفق التحليل.
وأتاحت الهجمات - الإسرائيلية أولاً، ثم الأمريكية على إيران في يونيو/ حزيران الماضي فرصةً لتأكيد هذا الحذر. فبينما أدانت روسيا بشدة هذه الضربات، فضّلت موسكو التي دعمت "محور المقاومة" في سوريا ضد المتمردين، ولكن ليس ضد إسرائيل، استخدام ورقة الوساطة.
كما أشار الموقع إلى مثال آخر، يتعلق بالعلاقة الوثيقة بين الجزائر وروسيا التي لم تبد متعارضة مع الدعم الذي يقدمه مرتزقة "فاغنر" لخصوم الجزائر المعلنين في ليبيا ومالي.
ويُطبّق شركاء روسيا هذه العلاقات البراغماتية، حيث دول متنوعة مثل المغرب (مستورد رئيسي للقمح الروسي)، والجزائر، ودول الخليج، رفضت إدارة ظهرها لروسيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، دون أن تتخلى مع ذلك عن دعم واشنطن.