logo
العالم

عقود الإعمار.. عنوان صراع جديد بين القوى العالمية في أوكرانيا

مبنى مدمر في العاصمة الأوكرانية كييفالمصدر: (أ ف ب)

تحتدم المعارك الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا، في الوقت الذي تطوي الحرب المستمرة بينهما عامها الثالث، فيما تنخرط واشنطن وبروكسل في حرب باردة حول عقود إعمار أوكرانيا.

وتنظر العواصم الأوروبية إلى الأصول الروسية المجمدّة في البنوك الأوروبية، والتي تناهز 245 مليار دولار، باعتبارها "غنيمة حرب" قد تغطي حجم المساعدات الأوروبية المتدفقة على أوكرانيا طيلة فترة الحرب.

وتقدّر الأمم المتحدة وجهات دولية أخرى تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا بعد الخسائر المادية التي لحقت بها، من 24 فبراير/ شباط 2022 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأكثر من نصف تريليون دولار (524 مليار دولار).

وترى بعض الجهات أن هذا المبلغ مهول يتطلب سيناريوهات إنقاذ اقتصادي ضخم على غرار "مشروع مارشال" والذي وضع لبنات إنقاذ اقتصاديات الدول الأوروبية المنهارة عقب الحرب العالمية الثانية.

وتُشير المصادر الدولية إلى أن الرقم - على فداحته - مرشح للزيادة بمستويات كبيرة جداً، بسبب استمرار الحرب وتواصل الرهان على الحسم العسكري وفشل مبادرات التسوية السياسية كافة.

ويتعزز ذلك بعد حصول كييف على شحنة جديدة من الأسلحة الأمريكية الممولة أوروبيا، وعلى رأسها صواريخ "توماهوك"؛ ما يؤكد أن الحرب على الجبهة الأوكرانية لا تزال مستمرة.

أخبار ذات علاقة

بوتين

بوتين: إرسال "توماهوك" إلى أوكرانيا سيدمر علاقاتنا مع واشنطن

دعوة لوقف الحرب 

وتنظر الكثير من الدول الأوروبية بعين الريبة والقلق لتواصل دق طبول الحرب في بروكسل ضدّ روسيا، وتواصل تدفق السلاح الأمريكي على كييف من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين. 

وتعالت العديد من الأصوات في البرلمان الأوروبي وفي البرلمانات المحلية لدعوة بروكسل إلى الكف عن استنزاف ميزانية الدول الأوروبية المتدهورة أصلاً، حتى أن بعضها مثل فرنسا لم يصادق برلمانها على ميزانية العام الفارط، وأدت مناقشات موازنة العام الحالي إلى سقوط حكومة فرانسوا بايرو.

وفيما تدعو الأصوات اليمينية واليمينية المتطرفة إلى وضع حدّ لهذه الحرب المستمرة منذ 2022 دون أي آفاق واضحة لحسمها سياسياً أو عسكرياً، تبدي أصوات يسارية انزعاجها من حجم الإنفاق العسكري على الحرب مطالبة بشكل واضح بالإنفاق عليها من خارج الموازنات المحلية.

والدعوة إلى الإنفاق من خارج الموازنات المحلية تعني إمّا توظيف فوائض وفوائد الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، أو سحب هذه الأصول الروسية وتوظيفها لصالح الحرب ضدّها.

180 مليار دولار

وتُشير الأرقام غير النهائية إلى أنّ إنفاق الاتحاد الأوروبي على الحرب في أوكرانيا ناهز مبلغ الـ180 مليار دولار.

وفي هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، أن "الاتحاد الأوروبي أنفق بين 175-180 مليار يورو على أوكرانيا، وأن هذه النفقات ستزيد بمقدار يتراوح بين 40-60 مليار يورو كل عام".

وقال أوربان: "لقد أنفقنا حوالي 170-180 مليار يورو. بينما تمر أوروبا بصعوبات اقتصادية جسيمة ونحتاج إلى كل سنت ".

وأشار إلى أن "الاستراتيجية العسكرية" للاتحاد الأوروبي، التي ترتكز على الاستنزاف الاقتصادي المفترض لروسيا في المستقبل هي "وهم" و"ليس لها أساس عقلاني أو مالي".

وأضاف أوربان: "لا نستطيع تمويل هذه الحرب، وفي الوقت نفسه نريد هزيمة العدو، مدعين تفوقنا ماليا واقتصاديا. هذا كله سراب ووهم. سينهار وستكون له عواقب وخيمة".

غنيمة حرب

وحيال هذا التبرم الأوروبي الواسع، يُنظر لعقود إعادة الإعمار في أوكرانيا كـ"غنيمة حرب" تسعى الأطراف كافة إلى الظفر بها.

وتُشير المصادر السياسية والدبلوماسية الأوروبية، إلى أن كييف تدرك تماماً حجم الإنفاق العسكري على الحرب، وتعرف أيضاً أن "تململاً" سياسياً وشعبياً ونقابياً واسع النطاق من التدفقات المالية على أوكرانيا قد يُترجم في الغد القريب إلى سياسات ومواقف رسمية في غالب العواصم الأوروبية.

ورأت المصادر الأوروبية، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلوح بورقة عقود إعمار أوكرانيا كلما ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف الدعم الأوروبي لبلاده.

وفي وقت سابق قال زيلينسكي، إنّ الاتحاد الأوروبي سيلعب دوراً محورياً في عملية إعادة إعمار بلاده بعد انتهاء الحرب مع روسيا، واصفًا هذا المشروع بأنه سيكون الأكبر من نوعه في القارة الأوروبية خلال العقود الماضية.

وفي تعليقهم على هذا التصريح، يؤكد المراقبون أنّ أهم ما في الخطاب يكمن في النقطة التالية منه والتي شدد فيها زيلينسكي على أنّ كييف تتمسك بنهاية حقيقية وعادلة للحرب وأنّ استمرار الدّعم الاوروبي في هذه المرحلة الحرجة جدّ مهم وأساسيّ.
حروب صناديق إعادة الإعمار

وأضافوا أنّ "حربا باردة" تقع حاليا بين واشنطن وبروكسل حول عقود إعادة الإعمار، وقد تجسدت هذه الحرب الثنائية في إنشاء صناديق مختلفة لإعادة الإعمار قبل انتهاء الحرب أصلا. 

وفيما أُعلن في يوليو/تموز الماضي في العاصمة الألمانية برلين إطلاق صندوق أوروبي لدعم أوكرانيا في إعادة الإعمار، وقعت واشنطن وكييف في ماي الماضي اتفاقية ثنائية لإنشاء صندوق استثماري مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا واستغلال مواردها الطبيعية.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال قمة كوبنهاغن

تقرير أوروبي: قمة كوبنهاغن فشلت في رسم طريق السلام لأوكرانيا

ويُشير المراقبون إلى أنّ الأمر عبارة عن تقاسم كعكة قبل نضوجها، فعلى الرغم من أنّ الحرب لاتزال مستعرة والجيش الروسي يتوغل بشكل ثابت في الأراضي الأوكرانية، إلا أنّ هذا الأمر لم يمنع الشركاء الأوروبيين والأمريكيين من تقاسم عقود إعادة الإعمار.

ووفق مصادر سياسية ودبلوماسية مطلعة في بروكسل، فإنّ الصندوق الأوروبي لدعم أوكرانيا سيسعى إلى "الاستثمار الاحتكاري" في قطاعات البنية التحتية على غرار الطرقات والجسور ومحطات الطاقة والبنايات الشاهقة، وهي قطاعات تضررت كثيرا خلال الحرب. 

وتسعى أوروبا إلى تشغيل اعلى قدر ممكن من شركات البناء والعقارات والصلب والحديد وجميع مواد البناء والتشييد، وهي قطاعات أصابها الكساد كثيرا خلال الفترة الأخيرة بسبب غلاء أسعار البناء واهتراء الطبقات المتوسطة.

ترامب الرابح الأكبر

أمّا أمريكا، فإنها – وفق وصف المتابعين والمراقبين- "الرابح الأكبر" من حرب اوكرانيا، إذ إنّها تبيع الأسلحة الهجومية والدفاعية لأوكرانيا بالمال الأوروبي، والأكثر من هذا أنّها وضعت يدها بشكل شبه كامل على موارد أوكرانيا من المعادن النادرة والثمينة، بموجب اتفاقية بين واشنطن وكييف.

وتنص الاتفاقية على إنشاء "صندوق الاستثمار لإعادة إعمار أوكرانيا"، الذي سيتم تمويله من عائدات تراخيص جديدة لاستخراج الموارد الطبيعية مثل المعادن النادرة والنفط والغاز.

ويمنح الاتفاق الولايات المتحدة الأفضلية في الاستفادة من مشاريع المعادن الأوكرانية النادرة مثل الليثيوم والتيتانيوم والغرافيت، مقابل الاستثمار، وتبلغ ميزانية الصندوق الاستثماري 150 مليون دولار.

وتُعد هذه الموارد ذات أهمية استراتيجية لقطاعات صناعية عدة، من صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية إلى الصناعات الدفاعية.

وتقع هذه المعادن في صلب الصراع الأمريكي الصيني على المعادن النادرة والمواد الثمينة، فبعد أن سيطرت بكين على سلاسل التوريد لمادة الليثيوم وتحولّها إلى الفاعل الرئيس في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وبعد تفعيلها رسوما جمركية على 7 سلع نادرة في خضم الحرب التجارية مع واشنطن، يبدو أنّ الأخيرة استوعبت أنّ الحرب تقنية بامتياز وأن إخضاع الدول ودفعها إلى مراجعة قراراتها قد يعود في بعض الأحيان إلى معادن مجهرية.

بيع جلد الدب قبل صيده

وبمنأى عن الصراع الأمريكي الصيني على المعادن النادرة من جهة، والصراع الأمريكي الأوروبي على عقود إعادة الإعمار من جهة ثانية، يرى مراقبون أن زيلينكسي "يبيع جلد الدب قبل صيده". 

وبتجاوز حقيقة أن بقاء زيلينكسي وحكومته رهين التطورات العسكرية وهو نقطة تفاوضية مهمة ستكون من مخرجات مفاوضات السلام، وأن الحكومات المقبلة في كييف قد لا تقبل اعتماد هذه العقود وتعتبرها تخلياً عن السيادة الوطنية وتلاعباً بمقدرات وحقوق الأجيال القائمة والقادمة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أن القوات العسكرية الروسية حالياً هي في طور تغيير الجغرافيا السياسية أولاً، وتغيير الجغرافيا الاقتصادية والتعدينية ثانياً، وقد تقلب الطاولة على عقود الإعمار كافة.  

وبحسب المراقبين، فإن الاتفاق الأمريكي الأوكراني، يواجه الكثير من التحديات الميدانية، ففي يوليو/ تموز الماضي، سيطرت القوات الروسية على أحد مناجم "الليثيوم" في منطقة دونيتسك، كما أنها حالياً على تخوم مواقع أخرى تحتوي على رواسب "التيتانيوم" و"اليورانيوم".

وبمقتضى هذا الواقع، فإنّ الاستفادة الأمريكية من هذه المعادن النادرة المتاخمة للأراضي الروسية، ستكون رهينة موافقة الكرملين، أو نتاج تغييرات عسكرية كبرى في المشهد، قد يكون التوماهوك الأمريكي جزءاً من آلياته وأدواته.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC