logo
العالم

من البلطيق إلى البيت الأبيض.. تحركات روسيا تفتح جبهة توتر جديدة مع واشنطن

سفن روسية في بحر البلطيق المصدر: bloomberg

في لحظةٍ يبدو فيها أن العالم تعوّد على التوترات في القارة العجوز، جاءت التقارير الدنماركية الأخيرة لتُعيد خلط الأوراق من جديد؛ بعد تحرك سفن روسية في المضائق الضيقة بين بحر البلطيق وبحر الشمال، في مسارات توصف بأنها "تصادمية".

ولم يمرّ الأمر بصمت في واشنطن، حيث أعلنت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن الإدارة الأمريكية "تأخذ التقارير الدنماركية على محمل الجد"، في تعبير يحمل ما هو أبعد من مجرد تضامن دبلوماسي.

ووفقًا للخبراء، يحمل الموقف الأمريكي رسالة مزدوجة، وهي طمأنة للحلفاء الأوروبيين من جهة، وتحذير مبطن لموسكو من جهة أخرى، بأن واشنطن لن تتساهل مع "الاستفزازات الرمادية" التي تقترب من حدود الناتو.

ودفعت التحركات الروسية الأخيرة، التي تراها كوبنهاغن جزءًا من "حرب هجينة" تشمل اختراقات جوية وهجمات سيبرانية، الدنمارك إلى تعزيز دفاعاتها الجوية والبحرية بعد رصد طائرات مسيّرة فوق مطارات مدنية وعسكرية.

فبين حدود البحر وسياسة البيت الأبيض، يبرز السؤال: هل دخلت أوروبا مرحلة جديدة من اختبار الإرادة بين واشنطن وموسكو؟ وهو ما كشفه الخبراء خلال السطور التالية، التي تناولت دلالات هذا الموقف الأمريكي وأبعاده على المستويين السياسي والأمني.

ويرى الخبراء أن الموقف الأمريكي من "الاستفزازات الروسية" التي تحدثت عنها التقارير الدنماركية يعكس تحولًا في سياسة البيت الأبيض من محاولات التهدئة إلى تبنّي نهج أكثر تشددًا تجاه موسكو.

وأوضحوا أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتت تميل إلى التصعيد تحت ضغط "لوبي السلاح" والضغوط الأوروبية، بعد أن فشلت رهاناتها على إمكانية إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف الحرب، وأن واشنطن تستخدم هذه الاتهامات كذريعة لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا وتبرير تزويدها بأسلحة أكثر تطورًا.

وأضاف الخبراء أن الخطاب الأمريكي الأخير يحمل رسائل مزدوجة، فهو من جهة محاولة لطمأنة الحلفاء الأوروبيين وإظهار الحزم في مواجهة روسيا، ومن جهة أخرى أداة ضغط سياسي لابتزاز موسكو ودفعها نحو تنازلات في الميدان.

وقال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن ترامب لم يُخفِ رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، خاصة بعد أن تفاخر بعلاقته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مدّعيًا أنه قادر على "إقناعه بتجميد الحرب أو وقفها مؤقتًا".

وأوضح بوش، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن بوتين لم يتنازل عن الأهداف التي وضعها منذ بدء العمليات العسكرية في عام 2022، مشيرًا إلى أن بعض الأطراف الأوروبية لا ترغب أصلًا في إنهاء الحرب إذا كان ذلك يعني انتصار روسيا.

وأضاف أن إدارة ترامب ربما فقدت الأمل في إقناع بوتين بوقف الحرب، وبدأت تميل نحو التصعيد تحت ضغط لوبي السلاح في الولايات المتحدة، خاصة أن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يحقق أرباحًا ضخمة من بيع السلاح لدول الناتو، التي تعيد تصديره إلى أوكرانيا.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن ضغوطًا أوروبية تُمارس على ترامب لعدم منح بوتين أي نقاط تفوق في هذه المعركة، ما أدى إلى تصعيد مشترك بين الجانبين، مؤكدًا أن الدول الغربية واصلت منذ بداية الحرب تزويد أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة من دبابات وصواريخ ومقاتلات، بل تصاعدت المطالب مؤخرًا بتزويد كييف بصواريخ "توماهوك" لاستهداف العمق الروسي.

وتابع بوش أن هناك مؤشرات على تنسيق أمريكي أوكراني لتنفيذ ضربات داخل العمق الروسي، معتبرًا أن الاتهامات الغربية لروسيا بإطلاق مسيّرات على أراضي الناتو أو اختراق أجواء إستونيا بطائرات "ميغ-31" مجرد أكاذيب، فلو كان ذلك حقيقيًا لتم إسقاطها فورًا.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن الولايات المتحدة لا تبحث عن حل سياسي، بل تسعى لاستنزاف روسيا اقتصاديًا وعسكريًا، إلا أن طموحات الناتو باستهداف موسكو قد لا تنجح، لأن الاقتصاد الروسي أقوى من اقتصادات فرنسا وألمانيا وبريطانيا مجتمعة، وفق تعبيره.

أما السفير مسعود معلوف، الدبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الأمريكية، فقال إن ترامب كان يعتقد أن علاقته الجيدة مع بوتين ستساعده على إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وأضاف معلوف، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ترامب كان قد صرّح خلال حملته الانتخابية بأنه سينهي الحرب خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة، إلا أن الأشهر الأولى من ولايته أثبتت عكس ذلك.

وأكد الخبير في الشؤون الأمريكية أن ترامب، الذي كان يهاجم الرئيس الأوكراني زيلينسكي قبل أشهر في البيت الأبيض، بدأ مؤخرًا يعلن أن أوكرانيا قد تتمكن من كسب الحرب واستعادة أراضيها، في تحول كبير عن مواقفه السابقة التي كانت تدعو إلى "تبادل الأراضي بين موسكو وكييف".

وأضاف أن الرئيس الأمريكي بات يتخذ مواقف أكثر بُعدًا عن روسيا، إن لم نقل عداءً صريحًا لها، مشيرًا إلى أنه هدّد بإسقاط أي مسيّرات روسية تدخل أجواء دول الناتو، ووجّه تحذيرات إلى الدول الأوروبية التي تواصل شراء النفط والغاز من موسكو بفرض عقوبات عليها.

ورأى معلوف أن التصريحات الأخيرة بشأن الدنمارك تأتي ضمن هذا المسار الجديد من الابتعاد عن بوتين، موضحًا أن ترامب الذي كان يراهن على ليونة بوتين، بات اليوم يتبنى لهجة فيها قدر من العداء السياسي، وفق تعبيره.

وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن ترامب لا يمتلك استراتيجية واضحة في التعامل مع روسيا، فهو يتّخذ مواقفه وفق الأحداث، ويسعى فقط إلى الظهور بمظهر محور العالم القادر على إنهاء الحروب.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC