logo
العالم

"نصر غير محسوم".. هل تحولت كورسك إلى ساحة حرب معقّدة؟

"نصر غير محسوم".. هل تحولت كورسك إلى ساحة حرب معقّدة؟
ناقلة جنود روسية في كورسكالمصدر: رويترز
28 أبريل 2025، 1:00 م

بعد 8 أشهر من كر وفر ومعارك استنزفت الطرفين، رفعت موسكو راية النصر فوق "كورسك" معلنة استعادة المدينة الحدودية، لكن وسط أجواء النشوة الروسية، جاءت كييف لتفجر مفاجأة جديدة، بأن القتال لا يزال مشتعلاً، والمعركة لم تُحسم بعد، لتتحول المدينة إلى ساحة جديدة لصراع الروايات، حيث تتقاطع الإنجازات العسكرية مع الحرب الإعلامية.

وقبل أيام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن القوات الروسية استعادت السيطرة الكاملة على منطقة كورسك الحدودية، التي كانت مسرحًا لهجوم أوكراني مباغت، قائلًا إن "مغامرة نظام كييف فشلت فشلًا ذريعًا".

وفي المقابل، نفت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية ادعاءات بوتين، مؤكدة أن العملية الدفاعية لقوات الدفاع الأوكرانية لا تزال مستمرة في منطقة كورسك، وأن الوضع الميداني معقد، إلا أن الوحدات الأوكرانية لا تزال تحتفظ بمواقعها وتؤدي المهام الموكلة إليها؛ ما يؤشر على أن المعركة لم تُحسم بشكل نهائي حتى الآن.

الهجوم الأوكراني على كورسك، الذي انطلق في أغسطس من العام الماضي، اعتُبر أول غزو بري تتعرض له روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبحت السيطرة على أجزاء من المنطقة ورقة ضغط استراتيجية لصالح كييف، استُخدمت لتخفيف الضغط عن الجبهات الشرقية المتوترة ولتعزيز موقعها التفاوضي في محادثات السلام المستقبلية.

وبينما تحتفي موسكو بما تعتبره استعادة حاسمة، تصر كييف على أن القتال لم ينته بعد، ليبقى التساؤل الأهم.. هل احتفلت روسيا مبكرًا، أم أن كورسك أصبحت رمزًا لصراع لا ينتهي إلا على طاولة الروايات المتناقضة؟

رسائل روسية استراتيجية

ويرى الخبراء، أن معركة "كورسك" تجسد نموذج الحرب الحديثة المعقدة، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية والسياسية والإعلامية، وأن إعلان روسيا تحرير المنطقة ليس مجرد نصر ميداني، بل رسالة استراتيجية لتعزيز صورة القوة الروسية داخليًّا وخارجيًّا.

وفي تصريحات لـ"إرم نيوز"، أوضح الخبراء  أن السيطرة الروسية على كورسك، حتى لو تحققت، لا تعني نهاية المعركة، وأن الحرب في القرن الحادي والعشرين تُحسم عبر بناء واقع استراتيجي دائم، خاصة أن أوكرانيا قد تقوم بتنفيذ هجمات مضادة كما حدث سابقًا في خاركيف وخيرسون.

كورسك والحروب الحديثة

وقال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن معركة كورسك، بعد 8 أشهر من الهجوم الأوكراني المتواصل، تمثل نموذجًا معقدًا للحرب الحديثة، حيث تتداخل العوامل العسكرية مع السياسية والإعلامية والدبلوماسية في صياغة واقع لا يمكن اختزاله في نصر أو هزيمة مطلقة.

وأوضح بريجع، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الجيش الروسي يحاول عبر إعلانه استعادة السيطرة على المنطقة، بناء سردية تعيد تلميع صورة القوة العظمى التي لا تُقهر، ولا سيما بعد التحديات الكبيرة التي واجهها منذ انطلاق الحرب الأوكرانية في فبراير 2022.

وأشار إلى أن إعلان تحرير كورسك لا يمثل مجرد تقرير ميداني، بل يُعد رسالة مزدوجة؛ داخليًّا لتعزيز شرعية النظام أمام الشعب، وخارجيًّا لاستعراض القوة أمام الخصوم والحلفاء على حد سواء.

السردية الروسية والمقاومة الأوكرانية

وأكد بريجع أن السردية الأوكرانية، التي تنفي بشكل قاطع الادعاءات الروسية وتؤكد استمرار عملياتها العسكرية، تذكّر بأن الحروب الحديثة لا تُحسم فقط بالسيطرة الجغرافية، بل بمن يحوّل المكاسب الميدانية إلى واقع استراتيجي دائم. 

وأضاف أن الاستعادة الروسية، إن وُجدت، قد تمثل مرحلة تكتيكية ضمن معركة أطول، خاصة في ظل قدرة أوكرانيا على شن هجمات مضادة مفاجِئة، كما حدث سابقًا في خاركيف وخيرسون.

وأوضح أن الأشد تعقيدًا في المشهد هو حرب المعلومات، حيث تروج روسيا، عبر آلتها الإعلامية الضخمة، لسردية التفوق العسكري لتعويض خسائرها المادية والمعنوية، بينما تعتمد أوكرانيا على خطاب "المقاومة البطولية" للحفاظ على تدفق الدعم العسكري والسياسي الغربي، رغم مؤشرات التراجع بفعل الضغوط الاقتصادية والانتخابية في دول الحلفاء.

وأكد بريجع، أن كورسك أصبحت ساحة صراع وجودي، فموسكو تسعى لإثبات قدرتها على حماية حدودها الروسية، بينما تُصر كييف على قدرتها على زعزعة استقرار المناطق التي ضمتها روسيا؛ ما يعرقل مشروعية مشروع الاحتواء الإقليمي الروسي.

الشراكة الروسية والكورية الشمالية

من جانبه، قال رامي القليوبي، الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن الجيش الروسي استعاد السيطرة على مقاطعة كورسك، مشيرًا إلى أن ما تبقى من المقاومة الأوكرانية عبارة عن جيوب صغيرة، ولا يفصلها عن الإقصاء الكامل من الأراضي الروسية المعترف بها دوليًّا سوى أيام قليلة.

وأضاف القليوبي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أبرز ما ميّز معارك كورسك هو إثبات فاعلية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية، حيث أعلن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، للمرة الأولى بشكل رسمي، مشاركة عسكريين كوريين شماليين في العمليات، بعد فترة طويلة من التردد الرسمي في تأكيد هذه المشاركة أو نفيها.

وأوضح الخبير في الشؤون الروسية، أن تحرير كورسك يمثل انتصارًا للجانب الروسي، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن فشل عسكري واستخباراتي، نظرًا لاحتلال أراضٍ روسية معترف بها دوليًّا على مدى 8 أشهر دون رد حاسم. 

وأشار إلى أن روسيا تعاملت مع هذا الوضع بنوع من الرصانة، إذ لم تتعجل في استعادة المقاطعة، بل استغلت انشغال القوات الأوكرانية لتحقيق مكاسب إضافية في إقليم الدونباس والجبهة الشرقية.

وشدد القليوبي على أن بقاء الأراضي تحت السيطرة الأوكرانية لفترة طويلة أضر بهيبة الدولة الروسية، لكنه أوضح أن المناطق التي كانت تحت الاحتلال لم تكن ذات أهمية استراتيجية كبيرة، وبالتالي لم تشكل تهديدًا وجوديًّا مباشرًا للأمن القومي الروسي.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC