في خطوة تعكس استمرار موسكو في لعب دور الوسيط بين طهران والغرب، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استعداد بلاده لتقديم المساعدة في تسوية الخلافات العالقة بشأن برنامج إيران النووي.
والتقى لافروف نظيره الإيراني عباس عراقجي على هامش قمة مجموعة "بريكس" في ريو دي جانيرو، في لقاء يتزامن مع تصاعد التوتر بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، عقب سلسلة من الهجمات العسكرية على منشآت إيرانية، بينها منشآت خاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأكد لافروف مجددًا، وفق بيان صادر عن الخارجية الروسية، إدانة موسكو للهجمات الأمريكية والإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، مشددًا على ضرورة تسوية جميع القضايا النووية من خلال المسار الدبلوماسي، وليس عبر القوة أو الضغوط القصوى.
وأعاد وزير الخارجية الروسي التذكير بمبادرات سابقة طرحها الرئيس فلاديمير بوتين، وتقضي بخفض التوتر تدريجيًّا بما في ذلك عرض تخزين اليورانيوم الإيراني لدى روسيا كإجراء لبناء الثقة.
المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، بسام البني، قال إن روسيا نجحت في إقناع إيران بقبول مشروع وساطة روسية خلال الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، لكنها غير قادرة على إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن "الهدف الحقيقي من جانبهما هو إسقاط النظام الإيراني"، على حد وصفه.
وأشار البني، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن موسكو قد تلعب دورًا مؤثرًا في الأزمة النووية عبر اقتراح نقل اليورانيوم الإيراني المخصب إلى الأراضي الروسية، مع ضمانات بإعادته لاحقًا لاستخدامه في أغراض سلمية.
وأوضح أن هناك صدامًا متصاعدًا بين الشرق والغرب يتمثل في المواجهة بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة أخرى، على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وأضاف المحلل السياسي: "إذا قامت روسيا والصين بدعم إيران في ترميم دفاعاتها الجوية، فقد يُفضي ذلك إلى إمكانية التوصل إلى حل توافقى، أما إذا عجزت طهران عن تحقيق ذلك، فلن تنجح أي قوة بما في ذلك موسكو أو بكين في إقناع واشنطن وتل أبيب بوقف التصعيد".
وتابع البني قائلًا "إن دعم دول مجموعة بريكس لإيران، وتحذيرها من أي اعتداء عليها، قد يمنح الغطاء السياسي المطلوب للوساطة الروسية، ويوفر ضمانات أمنية لطهران، مشددًا على أن فاعلية أي وساطة روسية ستظل مرهونة باستعداد الأطراف المعنية لتقديم تنازلات واقعية، ضمن توازنات جيوسياسية معقدة".
ومن جانبه، ذكر المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، الدكتور نبيل رشوان، أن موسكو لها دور أساس في تشغيل محطة "بوشهر" النووية الإيرانية، التي كانت في الأصل مشروعًا أمريكيًّا قبل اندلاع الثورة الإيرانية.
وأضاف رشوان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن طهران منذ البداية رفضت استيراد الوقود النووي من موسكو، وفضّلت تطوير قدرات التخصيب محليًّا؛ ما جعل ملف التخصيب النووي شأنًا سياديًّا خاصًّا بإيران.
وأشار إلى أنه على مستوى التعاون العسكري، فإن موسكو تستفيد حاليًّا من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية، لافتًا إلى أن معظم المسيرات الروسية المستخدمة في أوكرانيا هي من طراز "شاهد" الإيراني.
وتابع أنه "رغم هذا التعاون، رفضت طهران سابقًا طلبًا روسيًّا بإنشاء قاعدة جوية على أراضيها بعد إقامة موسكو قاعدتين في سوريا، كما رفضت تسلم منظومة الدفاع الجوي الروسية S-300، وهو ما يؤكد أن السياسة الإيرانية تتسم باستقلالية نسبية في علاقتها بكل من روسيا والولايات المتحدة".
ولفت رشوان إلى أن إيران دفعت ثمنًا باهظًا لتطوير قدراتها العسكرية، سواء من أرواح عناصر مخابراتها أو من تكاليف الحصول على المعلومات، معتبرًا أن دخولها مجال التصنيع العسكري كان نتيجة مسار طويل من المواجهة في ظل عقوبات غربية وصفها بأنها "غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية".
ولفت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض التوسط لوقف إطلاق النار خلال المواجهات الأخيرة بين إيران وإسرائيل، والتي استمرت 12 يومًا، لكن الولايات المتحدة رفضت الوساطة الروسية حتى لا تُمنح موسكو أوراق تفاوض جديدة، خاصة في ظل استمرارها برفض وقف إطلاق النار في أوكرانيا.