استبعدت دوائر سياسية في تل أبيب جنوح إيران إلى خوض حرب جديدة ضد إسرائيل، وعزت ذلك إلى "تآكل" الدولة الإيرانية من الداخل، وتنامي التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط خلال الـ14 شهرًا الماضية.
وتحت عنوان "معضلة آيات الله: لماذا تخشى طهران حربًا أخرى تستمر 12 يومًا؟، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" إن مخاوف إيران تتزايد من مواجهة جديدة مع إسرائيل، خلافًا لتقديرات في تل أبيب ترى أن طهران تتأهب لحرب وشيكة عبر ترسانة من الصواريخ البالستية.
وأرجعت الصحيفة العبرية تقديراتها إلى تفادي إيران تجديد المواجهة مع إسرائيل، بعد تلقي أذرع طهران، ولا سيما "حزب الله" والحوثيين في اليمن، ضربات موجعة، وحصول تل أبيب على دعم أمريكي وأوروبي كامل، بالإضافة إلى معاناة إيران أزمة اقتصادية وبنية تحتية مزرية، تتسم بتضخم متسارع، وانهيار العملة، ونقص حاد في الوقود، وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، وأزمة مياه.
وصرح مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة "يسرائيل هيوم" بأن "إيران لا تواجه سوى خيارات صعبة، ولا تستطيع تحمل مزيد من الخسائر العسكرية كتلك التي تكبدتها خلال حرب الـ12 يومًا".
وأشار إلى أنه رغم ذلك، فلا تزال بعض الأصوات داخل إيران تتوقع ردًّا إيرانيًّا مؤكَّدًا على إسرائيل، ربما من قِبل الحوثيين أو من خلال هجوم يستهدف المصالح اليهودية أو الإسرائيلية في أوروبا، أو أمريكا اللاتينية.
ويتناقض تقييم المسؤول الإسرائيلي مع تصريحات صادرة عن طهران، إذ أفادت تقارير سابقة بتعزيز إيران مخزون صواريخ أرض – أرض، كانت فقدته خلال حرب يونيو/ حزيران الماضية.
وكشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن "إيران تعزز شبكة دفاعها الجوي، وتخطط لامتلاك قدرة إطلاق هائلة تصل إلى 2000 صاروخ في وقت واحد حال اندلاع صراع آخر".
ونشر الحرس الثوري الإيراني في وقت سابق بيانًا، أعلن فيه أن "محور المقاومة" وحزب الله لهما الحق في الرد في الوقت المناسب، وأن الضربة ستكون "موجعة".
وصرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بأن "سلوك إسرائيل يفاقم الوضع الأمني الإقليمي، ويؤدي إلى عواقب وخيمة".
ورغم أن إيران تعمل على إعادة بناء قدراتها الدفاعية الجوية، التي كادت تفقدها خلال الحرب، وتلقت، بحسب تقارير، مساعدات من الصين، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن "ذلك لن يشكل تحديًا كبيرًا للسيطرة الإسرائيلية المطلقة على المجال الجوي الإيراني".
وفي ظل أزمات غير مسبوقة، عصفت بالدولة الإيرانية ما يُعرف بظاهرة "التفكك الهادئ"، وفقًا لمحلل الشؤون الإيرانية في "مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية" الإسرائيلي، سوغاند فاخري؛ مشيرًا إلى أنه يجري مناقشة هذه الظاهرة كثيرًا في وسائل الإعلام الإيرانية.
ومع ذلك، يبدو أن التفكك الإيراني لم يهدأ، والحكومة معطلة، والتركيز المتكرر على دعاية الحرب، إما أنه يتجاهل الوضع المزري في البلاد، وإما يأتي في إطار محاولة التقليل من تداعياته، بحسب المحلل الإسرائيلي.
وأضاف: "إهدار الحكومة الإيرانية الأموال على مشروعات متعلقة بالحرب، والتسويق لذلك بصورة كبيرة لامتصاص غضب المواطنين، ألحق ضررًا بالغًا بمستوى المعيشة".
ومع استمرار تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تظهر تقارير محلية معاناة واحتجاجات الداخل الإيراني، إلا أنه غالبًا ما يتم التعتيم على هذه التقارير عبر آلة الرقابة والقيود الإعلامية؛ وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة إزاء التدهور المؤسسي والاجتماعي "بهدوء".
أما ساغيف أسولين، وهو باحث أول في "مركز الشؤون الإيرانية المشترك"، وخبير في الشؤون الإيرانية، فشرح دواعي التناقض بين الخطاب العدواني والشلل الداخلي الإيراني بالقول: "الإيرانيون أبطال العالم في ألعاب الكلمات والتفاوض والمساومة في سوق الشرق الأوسط والعالم، لذا هناك فرق كبير بين ما يقولونه وما يمكن تمريره على أرض الواقع".
وأضاف: "إنهم مستعدون لتهدئة الأجواء بتصريحات عدائية، لكن في وضعهم الحالي، قد يلعبون لعبة هامشية، وليس أكثر من ذلك. وبالتالي فإن الإجابة عن سؤال ما إذا كانوا سيبادرون بهجوم فعلي؟ هي بالتأكيد لا".
وأكد أسولين أن إيران تعمل جاهدة على إعادة بناء دفاعها الجوي ومخزونها الصاروخي؛ لأن الصواريخ هي أسلحتها الأكثر فاعلية، ولا سيما بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمشروع النووي.
وأكد: "تدرك إيران أن التسويق للحرب هو نقطة ضعف إسرائيل، ولذلك تعتمد عليها في الردع، حتى ولو كان هامشيًّا".
وخلص الباحث الإسرائيلي إلى "اعتزام إيران إرجاء الصراع المقبل لأطول فترة ممكنة، للسماح لنفسها بوقت كافٍ للتعافي، وانتظار ظروف أكثر ملاءمة، وتحسين استعدادها".
وتشهد طهران حاليًّا عامها السادس على التوالي من الجفاف، وسجلت الخريف الأشد جفافًا لها في القرن الحالي، حيث لم تشهد أي قطرة مطر.
وبعد مرور 55 يومًا من السنة المائية الحالية، وصلت احتياطيات المياه إلى أدنى مستوى لها منذ 60 عامًا.
وفي اتصال مع صحيفة "يسرائيل هيوم" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد (س)، وهو أحد سكان طهران، أن "انقطاع المياه لبضع ساعات يوميًّا، وتردي جودة المياه بشكل خطير، تسبب في انتشار الأمراض والالتهابات".
ويكافح شمال إيران في الوقت نفسه كارثة بيئية كبرى، وهي حرائق مستعرة منذ أسابيع في غابات "هيركاني"، المُدرجة على قائمة التراث العالمي، والتي تعد أقدم نظام بيئي حي في العالم.
ويلقي خبراء الغابات الإيرانيون باللوم على الحكومة، مدّعين الإهمال والضرر المتعمد والخبيث، الذي لحق بأراضي الغابات. وأسفر الحريق عن سُحب كثيفة من الدخان والرماد، تسببت في تلوث جوي غير مسبوق.