قال خبراء في الشأن الأوروبي إن رئاسة الدنمارك للاتحاد الأوروبي، رغم انتماء حكومتها لليسار الاجتماعي-الديمقراطي، قد تمثل منعطفًا يمينيًا في سياسات الهجرة الأوروبية.
واعتبر باحثان فرنسيان متخصصان في قضايا الاتحاد الأوروبي والهجرة أن كوبنهاغن تسعى لاستخدام نفوذها المؤقت في بروكسل لتكريس نموذجها المتشدد الذي يربط الأمن الداخلي بالسيطرة على الحدود وبتقليص الهجرة.
ويرى الدكتور جون ميشال لافوار، الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات الأوروبية، لـ "إرم نيوز" أن "رئاسة الدنمارك للاتحاد الأوروبي لن تكون مجرد رئاسة إدارية، بل محاولة واعية لإعادة تشكيل توازنات الاتحاد نحو يمين أمني محافظ، رغم أن الحزب الحاكم في الدنمارك ينتمي تقليديًا ليسار الوسط.
وأوضح أن "هذا تكتيك سياسي فريد: استخدام خطاب أمني من داخل معسكر يساري لإعادة ترسيم حدود النقاش الأوروبي حول الهجرة" وفق تعبيره.
أما الباحثة إليزابيث دولوناي، الخبيرة في سياسات اللجوء والهجرة، فترى في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن "ما تطرحه كوبنهاغن من حلول يقوم على مبدأ الردع بدل الاستيعاب، وهي تُشيد بصرامة التشريعات أكثر من فاعلية الاندماج".
واعتبرت أن هذا التوجه، إن نجح، قد يشجع دولاً أوروبية أخرى على اعتماد سياسات مشابهة، مما يعزز تحولات جذرية في سياسات الهجرة الأوروبية خلال السنوات المقبلة".
وبدأت الدنمارك رسميًا، يوم الثلاثاء، رئاستها الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، وهو الجهاز الذي يجمع وزراء دول الاتحاد لمناقشة السياسات والتشريعات. وتستمر هذه الرئاسة حتى نهاية ديسمبر من العام نفسه.
ورغم أن رئيسة الحكومة الدنماركية، ميته فريدريكسن، تنتمي للحزب الاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط)، فإن الأجندة التي وضعتها لرئاسة الاتحاد ذات طابع يميني محافظ، خاصة في ما يتعلق بالهجرة.
وأشارت دولوناي إلى أن كوبنهاغن تركز في رئاستها على مفهوم "أوروبا آمنة"، والذي يشمل تعزيز قدرة القارة على ضمان أمنها الداخلي. ويشمل هذا التوجه تقوية الصناعة الدفاعية الأوروبية، وتعزيز التعاون مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلًا عن التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة.
الملف الأكثر حساسية الذي توليه الدنمارك أهمية كبرى هو الهجرة. حيث صرّحت وزيرة الشؤون الأوروبية، ماري بيير، بأن "الهجرة مرتبطة مباشرة بالأمن".
وأضافت: "نحتاج إلى أوروبا أكثر أمانًا واستقرارًا وصلابة، وهذا لن يتحقق ما لم نُحكم السيطرة على تدفّق المهاجرين نحو القارة".
وترى الحكومة الدنماركية أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مراجعة شاملة لسياسات الهجرة، وخاصة في ما يخص تنفيذ ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي وضبط الحدود الخارجية للاتحاد.
وتعتزم كوبنهاغن خلال رئاستها العمل على تفعيل هذه الإجراءات بقوة.
رئيسة الوزراء ميته فريدريكسن، خلال زيارة لها إلى برلين مؤخرًا، أوضحت توجه حكومتها بوضوح، إذ دعت إلى اعتماد نموذج قائم على "ترحيل طلبات اللجوء إلى خارج أوروبا"، أي توطين المهاجرين في دول أخرى أثناء دراسة طلباتهم، وتقييد سلطة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فيما يخص قرارات الهجرة.
وأضافت فريدريكسن: "نحتاج إلى حلول جديدة لتقليل تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وتفعيل آليات فعالة لإعادة أولئك الذين لا يحق لهم البقاء".
وجاءت تصريحاتها في سياق دعم ألماني متزايد لنموذج الهجرة الدنماركي، حيث وصفه المستشار الألماني فريدريش ميرتس بأنه "نموذج يُحتذى به"، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
وتبرر الحكومة الدنماركية توجهاتها المتشددة بالإشارة إلى التحول الديموغرافي الذي شهدته البلاد، إذ ارتفعت نسبة السكان من أصول أجنبية من 3.3% في عام 1985 إلى 16.3% في عام 2025. وترى كوبنهاغن أن تقليص استقبال المهاجرين هو السبيل الوحيد للحفاظ على دولة الرفاهية السخية التي تُعرف بها الدنمارك.
وقد وصفت فريدريكسن مرارًا الهجرة غير الغربية بأنها "أكبر تحدٍّ يواجه الدنمارك"، معتبرة أن سياسة الباب المفتوح باتت عبئًا على الاندماج الاجتماعي والاقتصاد الوطني.
وأشارت دولوناي إلى أنه "بين خطاب أمني صارم، ودعوات لتقليص دور المؤسسات الحقوقية الأوروبية، ومقترحات لترحيل المهاجرين إلى دول خارج الاتحاد، تبدو رئاسة الدنمارك لمجلس الاتحاد الأوروبي على موعد مع اختبار جاد".
وتساءلت: "هل تنجح كوبنهاغن في إعادة تشكيل سياسة الهجرة الأوروبية؟ أم أن هذه التوجهات ستصطدم بواقع سياسي معقد وتوازنات أوروبية متعددة؟".